الانتاج والحرية المنشودة في الربيع العربي القادم*
الرغبة في بناء حوار أو نقاش مهني في عالمنا العربي باللغة العربية نادر الحصول، بل هو معدوم في كثير من المجالات، اليوم الجميع يتكلم سياسة، وكأن السياسة والشؤون العامة هي مهنة من لا مهنة له، الأمر الأجدى اليوم هو العمل والإنتاج وتمكين المهن، نعلم جميعنا أن المجتمعات العربية انتفضت في الربيع العربي تطالب بالحرية، والحرية تهدف في النهاية إلى خلق بيئة عمل أكثر إنتاجية تمكن أفراد المجتمع من تحسين ظروف حياتهم اليومية وتمكن من الحصول على رفاهية عيش متناسبة مع المجتمعات المتقدمة، ببساطة لأنها بيئة أكثر شفافية، ولأنها تمكن الجميع من الخضوع لقوانين ناظمة لشؤون الحياة بشكل متساوي، أي لا غفير ولا وزير، الكل يخضع لنفس مقاييس النزاهة وتحت القانون.
هذا التغيير وإن حصل فعلا بعد إنجاز أهداف الربيع العربي، فإنه لا يتعدى وسيلة أو حملة فقط لتمكين أفراد المجتمع للخروج من عنق زجاجة بيئة العمل الحالية المعطلة لأي نجاح، والقاتلة للمبادرات في كثير من الدول العربية، والسبب ببساطة هو مجموعة من المعيقات مثل المحسوبية والتسيب، والجهل أو الشخص الخطأ في المكان الخطأ، أوالفساد أو عجز المؤسسات عن اتخاذ القرارات وغيرها والقائمة طويلة.
في الحالة العربية، الدول محكومة بجهاز حكومي يتحكم بالثروة ومفاصل الحياة، لذا فإن تعزيز قدرات الإدارة الحكومية من العمل بكفاءة وضبط الشفافية والمساواة في الفرص، وغيرها من المنافع التي تجنيها آليات تداول المسؤوليات حسب الاستحقاقات المهنية المجردة من المحسوبيات، تمكن الوسيلة من خلق مجتمع أكثر إنتاجية، ولا مجال هنا لذكر جميع منافع الفكر التحرري وهي معروفة. ولا مجال للدخول في التحليل السياسي لاستعراض فوائد ومنافع التغيير السياسي المنشود. باعتبار أن هذا التغيير أو هذه الحرية هي وسيلة لا غير، وفي لمحة إلى الأمام في المستقبل القريب، أي في حال توفر الوسيلة، هل نملك حلول الإنتاج الحقيقية التي تمكننا فعلا من توظيف هذه الوسيلة (الحرية) من خلال الإنتاج؟ ولا نقف عند تعظيم الوسيلة فقط، حتى تصبح الحرية أيقونة فارغة لا قيمة لها مما يتسبب بتلاشي البريق عنها مع مرور الزمن، والدخول في عملية تعتيق أشبه ما يكون التغني بأمجاد لم تحصل بعد.
اليوم نحن في تحدي مباشر مع أنفسنا، نحن بحاجة إلى أرضية إنتاج جاهزة ومعدة مسبقا لكي تحل مكان وسائل الإنتاج السابقة، اليوم نحن بحاجة إلى حوارات تثري المهن، وتضع حلولا لإشكالات نعرفها في مجتمعاتنا كل في مجاله، بحيث يصبح العمل أكثر احترافا، وأكثر إنتاجية، نحن لا نملك الرفاهية في الوقت، ولا نملك رفاهية الخطأ والتكرار. نحن اليوم في تحدي التسابق مع دول العالم شرقه وغربه، في تحسين قدرتنا على التنافس. الأصل في الموضوع هو الإنتاج، ولا ننسى أن الحرية مجرد وسيلة لا شيء أخر.