في منتصف تشرين الثاني من كل عام ,ينطلق الناس في قريتي الى قطاف الزيتون وأذهب برفقة اسرتي واعمامي الى كرم جدي , حيث يبدأ العرس العائلي الوطني, نشاهد العائلات كل في حديقته المنزلية أو في الكروم المجاورة والمنتشرة بأطراف القرية, يقطفوا ثمار الشجرة المباركة, بكل فرح واستمتاع.
هذه الشجرة التي اقسم الله بها في سورة التين, والتي استطاعت ان تسلب قلوب الفلاحين, ليقطفوها وهم ينشدون ما يحفظون من اغاني واهازيج وطنية وتراثية قد تعلموها من اجدادهم , تبث الحماس فيهم, ولتبقى هذه المناسبة , عزيزة في ذاكرة اطفالهم , حيث كنا صغارا نتسلق الاغصان ونساعد في جمع الحب المتساقط , ونحضر لجدتي الاغصان لتقطفها وهي جالسة تسرد لنا بعض الحكايات والفوازير المسلية .ويمضي بنا الوقت دون ممل او كلل, ونستظل بظلال الشجر .ونشرب الشاي المغلي على الحطب , ونأكل الخبز بالزيت بعد تسخينه على الجمر الملتهب , وتقول جدتي ( اكلتم منه فقوموا له ) ونبقى مستمتعين بهذه الساعات حتى المغيب , لتبدأ رحلة العودة للمنزل ,فنجمع الزيتون في اكياس من الخيش وننقلها في حافلة او تراكتور, وكان الصغار يحبون الركوب في عربة الحافلة , لينشدوا ويغنوا فرحين تغمرهم السعادة,
.وتبدأ النسوة بأنتقاء حبات الزيتون الاخضر التي تصلح للرصيع ونشاركهم في رصعها ودقها بالحجارة المستديرة التي جلبتها والدتي من الوادي .
وعند انتهاء القطاف نحمل المحصول الى اقرب معصرة , حيث يحب الكبار, مرافقة صغارهم في هذه الرحلة, ليستمتعوا بمشاهدة عمليات عصر الزيتون واستخراج الزيت وليغرسوا فيهم حبا لهذه الشجرة المباركة , وليحافظوا عليها, ويعتنوا بها, لانها شجرة تعطي اكثر مما تقدم لها, فهي الشجرة التي لا تحتاج الى خدمة كثيرة, وهي شجرة معمّرة غرسها اجداد اجدادي منذ مئات السنين ولا تزال شامخة في معظم قرانا , تصارع الظروف وتواجه التحديات لتبقى لنا تراثا حيا يحاكي الزمان والمكان , دائمة الخضرة , وظلها ظليل .
راضين قانعين بما قسمه الله لنا من الزيت وان ذلك من عطاءه وكرمه, ونستقبل الزيت بالفرحة فنجد النسوة يسارعن في عمل الاكلات الشعبية كالزلابية واللزاقيات واقراص العيد والمسخن. ويبدأ والدي بتذوق الزيت الطازج مع الخبز الطازج ويعرضه على اعمامي والضيوف ليتذوقوه وكل يعطي رأيه في نوعيتة التي يتفاخرون بها, فضلا عن ان الزيت الاردني بشكل عام من النوعيات المفضلة لدى كثير من البلدان , في مكوناته الطبية, ومذاقة الرائع المحبوب .
احب المشاركة في هذه المناسبة الغالية, ولها في ذاكرتي صفحات جميلة واتمنى ان لا يتخلى الناس عنها . فليبقى هذا العرس عرسنا , وهو اقل ما نقدمه لهذه الشجرة المباركه . وكل عام وانتم بخير