كلية حوارة للمجتمع
بقلم الدكتور عبدالكريم محمد الشطناوي ابو انس
أسست وزارة التربية والتعليم بالتعاون مع منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة مركزا تجريبيا للتربية الأساسية في قرية حواره/اربد على غرار مركز سرس الليان في مصر العربية. وقد تمً اختيار حواره لموقعها على الطريق العام الذي يربط مدينة اربد مع المفرق والزرقاء وعمان آنذاك وعرف ب (خط حيفا –بغداد) .ولتوسطها بين عدة قرى شملت الصريح , الحصن ,ايدون , بشرى , سال, ليكون مركزا لتقديم الخدمات لأكبر عدد ممكن من سكان المنطقة ,وقد بدأ العمل به في مبنى متواضع مستأجر بتاريخ 8/10/1955.بإدارة الخبير المعين من منظمة اليونسكو الدكتور فاخر عاقل ’ وبصحبته فريق عمل اتذكر منهم الأساتذة : بشير كلوب , سبع ابو لبده , حليم صراف . في مجالات الخدمة الإجتماعية ومحو الأمية ,والإرشاد الزراعي والإرشاد الصحي .
وقد تميز الدكتور فاخر عاقل بوسامة الخلقة وبهاء الطلعة وحسن المعشر ودماثة الخلق . واناقته المتميزة في الكلام والهندام , مما جعله ودودا محبا قريبا للناس بالإضافة الى طبيعتهم المتأصلة بحب الآخرين ’ فكان يشاركهم بمناسباتهم المختلفة . مما ساعده على النجاح في مهمته. وقد شملت نشاطات المركز المجالات الآتية :
<!--محو الأمية : وذلك بفتح صفوف ليلية في مدرسة القرية بإشراف المركز, لتعليم الكبار الذين حرموا من نعمة التعليم , القراءة والكتابة والحساب والدين’ وكانت توزع الكتب والدفاتر والأقلام عليهم مجانا.
<!--المكتبة المتنقلة : توزيع الكتب المتنوعة على الأهالي بالقرى اعارة مستردة ولفترة محددة , تشجيعا لهم على القراءة والإطلاع على الكتب الحديثة .
<!--الإرشاد الصحي :نشر الوعي بأهمية الصحة والمحافظة على نظافة الطعام والأجسام وغيرها من الأمور المتعلقة بالصحة , وتشجيع الأهالي على بناء وحدات صحبة بسيطة وذلك بتسليمهم لوازمها الضرورية مجانا . بالإضافة الى الإشراف على آبار المياه ومحاربة الجراثيم والبعوض بالمبيدات وكانت توزع مجانا.
<!--الإرشاد الزراعي : نشر الوعي والإهتمام بالبساتين والحقول , وضرورة رشها بالمبيدات الحشرية وكانت توزع عليهم مجانا , وتعليم الأهالي عمليتي التطعيم والتقليم للأشجار.
ولقد اوحى نجاح المركز لوزارة التربية , تأسيس دار معلمين ريفية في حواره , تحتضن هذا المركز وتوسع عمله بتأهيل الخريجين ليكونوا عاملين في ميدان الخدمة الإجتماعية في القرى ,ومعلمين في مدارسها الإبتدائية. وقد بدأ الإعداد للدار في صيف 1956 , وفي تاريخ 1/10/1956 بدأ التدريس في ابنية مستأجرة لأغراض التدريس والإدارة والقسم الداخلي(مبيت الطلاب) والمنزل الخاص لمدير الدار. وقد ضمَت مدرسة القرية الإعدادية للدار لتكون مدرسة تطبيقية , وصار رواد مركز التربية الأساسية معلمين في الدار, الى جانب اشرافهم على عمل طلاب الدار الميداني في القرى المجاورة .ولقد وضعت للدراسة في الدار مناهج تدريبية لسنة واحدة تخرج في نهايتها الفوج الأول,
ولما كانت دار المعلمين الريفية في بيت حنينا آنذاك(الضفة الغربية), تعطي مناهج مشابهة لسنتين بعد الصف الثالث الإعدادي , رأت الوزارة توحيد العمل في الدارين , وتقرر ان تكون الدراسة لمدة سنتين بعد المرحلة الثانوية بمناهج تجريبية ,يعاد النظر فيها بعد عامين من تطبيقها , وقد بدأ العمل بالخطة الجديدة في العام الدراسي 1957/1958.
وفي مطلع العام الدراسي 1960/1961 انتقل الصرح العلمي الى منشآته الجديدة على قطعة ارض مساحتها (40) دونما تمَ استملاكها وإنشاء الأبنية عليها ,على حساب وزارة التربية والتعليم , ومن منحة قدمتها مؤسسة فورد الأمريكية , كما ساهم اهالي حواره بحوالي دونمين للأرض , وتكونت المنشآت من الأقسام التالية :
<!--القسم الخارجي : يتكون من طابقين تحتويان على قاعة كبرى للإحتفالات والإجتماعات احتوت في ركن منها مكتبة غنية زاخرة بكتب نادرة وبالمراجع والمصادر, وغرف ادارة وتدريس ومختبر, ومركز اسعاف ووحدة اذاعية .
<!--القسم الداخلي : يتكون من طابقين وتسوية , تحتوي على غرف نوم للمعلمين , واخرى للطلاب , والمطبخ والطعام , والتسوية تشتمل على مستودع وغرفة لكي الملابس واخرى للغسيل , ومنامة للمستخدمين الداخلييين .
<!--المشغل : ويتكون من طابق واحد , مخصص للنشاط المهني والصيانة والتربية الفنية
<!--منزل المدير :ويتكون من طابق واحد يضم خمس غرف .
وفي مطلع العام الدراسي 1963/1964 توحدت المناهج في جميع دور المعلمين الريقية (حواره , بيت حنينا) وغير الريفية (عمان , العروب , رام الله).وتوحد اسمها , واصبحت الدار تعرف بإسم دار المعلمين/ حواره , وقلصت الموضوعات الريفية في موضوع واحد سمي ( خدمة البيئة) , وتمشيا مع قانون التربية والتعليم رقم 16 لسنة 1964 , اصبحت الدار في مطلع العام الدراسي تعرف بإسم معهد المعلمين /حواره , وبقي يمارس دوره الأكاديمي والريادي لخريجي الشهادة الثانوية ,لأبناء ضفتي المملكة حتى حلت النكسة بالأردن خاصة وبالوطن العربي عامة في حزيران 1967 .
وفي مطلع العام الدراسي 1967/1968, اصبح هذا المعهد يختص بوظيفة اخرى, حين انتقل اليه مركز التأهيل من معهد المعلمين في عمان , وهي تأهيل المعلمين الموجودين في المدارس , عن طريق تزويدهم بثقافة مسلكية مناسبة للمرحلة التي يعلمون بها . وفي سنة 1985 اسست وزارة التعليم العالي, وتولت الإشراف على التعليم بعد المر حلة الثانوية , فأطلقت على معاهد المعلمين مسمى كليات المجتمع .وقد اضيف اليها أبنية شملت مسجدا وصالة رياضية كبرى مغلقة ومكتبة وجناحا مستقلا للإداريين واعضاء الهيئة التدريسية ومدرجا كبيرا اطلق عليه اسم (المتنبي) .وهكذا تطور هذا الصرح العلمي الريادي في تار يخ المملكة الحديث والذي يذكر على انه منارة قديمة من اقدم المنارات العلمية والثقافية في البلد ’ ورافد من روافد الطاقة البشرية المدربة لحمل رسالة التربية والتعليم في الأردن , وفي كثير من الأ قطار العربية , كما انه بعث روحا وضخ دما جديدا في مجالات الحياة المختلفة ,كما استوحيت منه ومن اقرانه صروح العلم الأخرى رؤى وآفاقا مستقبلية اخرى ,تتعلق بالتعليم ادت الى قيام انشاء الجامعات والدراسات العليا .
وفي عهد حكومة الدكتور عبدالسلام المجالي ارتأت إتباع الكليات الى جامعة عرفت فيما بعد بجامعة البلقاء التطبيقية, وفي سنة 1993 جاء التطبيق مجحفا بكلية حواره فقد الغيت وحدها فوقعت فريسة ولقمة سائغة ,وكانت سضحية تناوشتها الأيدي متهافتة متسابقة, من اجل اخذ حصتها , وكان وزير التعليم العالي وقتها الدكتور خالد العمري (والذي كان مديرها سنة 1978 ومنها كانت انطلاقاته ) وكان وزيرالصحة آنذاك (الدكتور عارف البطاينه )’ حيث اتفقا على تصفيتها متناسيين تاريخها ومجدها التليد وما قدمته في سبيل النهضة العلمية, وحق كل الأردنيين جميعا , وقد استبدلاها بكلية نسيبة المازنية ومعهد المهن الطبية بأعداد زهيدة من الطلبة , فأصبحت ساحاتها وصالاتها وملاعبها ومدرجاتها ومكتبتها الثمينة مهجورة خاوية على عروشها ,بعد ان كانت تعج بألوف الطلبة ذكورا وإناثا وبمختلف التخصصات . ولكن يد المنون من تلك الحكومة لم تجرؤ التقدم نحو الكليات الأخرى , حيث بقيت على حالها وضمت الى جامعة البلقاء التطبيقية. وبمزيد الآسف فقد سجلت تلك الحكومة سابقة خطبرة بحق العلم وصروح العلم ولم تجد رادعا يجعلها تعيد حساباتها.
وهكذا تمت التضحية بأقدم صرح علمي بدون مبرر مقنع , خاصة مع بقاء الكليات الأخرى , اللهم الآ اذا كان هناك هوى او ميل في نفس يعقوب , وإنني بهذا المقام احيي اهل السلط الأباة الذين ما زالوا يحافظون على اقدم مدرسة ثانوية, يزهون بها ويفاخرون الدنيا , واللوم او العتب يقع على الوزيرين اللذين سارعا في تصفية ومحو كلية حواره , وعلى اهالي حواره ومحافظة اربد وعلى الخيرين من ابناء هذا البلد .
من حق كل مواطن اردني ان يسأل ويسائل الذين اقدموا على هذه الخطوة الهدامة ’ ومن حق كل خريج منها من الضفتين ان يحزن على محو جزء من تاريخ حياته ,تمثًل في طمس هذا الصرح العلمي الذي خرًج آلاف الخريجين ولست مبالغا بذلك , وقد حملوا مشاعل العلم والمعرفة, وساهموا في تطوير بلدهم ,وتبوؤا مناصب عليا ومراكز متقدمة واصبحوا صناع قرار , وما زالوا يذكرون ويتذكرون احلى ساعات عمرهم التي قضوها في ربوع هذا الصرح.العتيق .
وانني بإسم خريجيها وانا احدهم وأحد المدرسين فيها , اناشد وادعو المسئولين بأن يعيدوا حساباتهم ويراجعوا انفسهم , فيما اقترفوه من جرم بحق هذه الكلية العتيقة , وان يعيدوا اليها ألقها وتوهجها , وا ن يرأفوا بمرافقها الحيوية ومنشآتها التي كلفت الشيئ الكثير من خزينة الدولة وهي تشكو حالها , فيا خريجوها هذا صرحكم العلمي يستصرخكم فاجعلوه مزارا لكم لتدب الحياة فيه ,وتبثوا فيه روح التجديد والإنتعاش من جديد , ويا من هدمتم هذا الصرح في لحظة تهافت على المراكز والمناصب والأطماع الشخصية , ادعوكم للحظة جلوس ومحاسبة مع انفسكم , ٍلتشعروا بما فعلته واقترفته يداكم بحق هذا الصرح العلمي.ورحم الله من اختلى مع نفسه وحاسبها ,