اهلا بك رمضان وقد عدت من جديد لتزرع النبض في شوارع قريتي الوادعه كنت قد مررت بشوارع قريتي ليلة اعلان رمضان كانت مضيئة بنور غير نورها . الناس تتحرك في شوارعها كأنهم خرجوا من البيوت معلنين فرحهم بقدوم شهررمضان. السيارات في وسط القرية تزدحم وكأنها العاصمة. الرجال والصبيان والنساء الى المساجد لصلاة التراويح كأنهم خلية نحل في حراكهم . تأملت قليلا بأعداد المصلين الداخلين لمسجد اسامه بن زيد والذين لم اكن اراهم في غير رمضان . فقلت سأنظر مسجد الرضوان فأذا بالمصلين يهرعون من كل صوب كأنه مدخل من مداخل المسجد الاموي. وقفت متأملا وقلت هل سيبقى هذا الاقبال على صلاة العشاء والتراويح طيلة الشهر ؟ انه شهر حرك الناس في قريتي .ورسم لها طابعا خاصا لا يمكن تصويره بكمرة او وصفه بقلم . لابد من حواسك الخمس لتستطيع ان تصف هذا المشهد الرائع. رمضان في قريتي حوارة
في اليوم الاول من رمضان وقبل الافطار بساعتين خرجت لشراء حبات القطايف التي سميت بالعصافير وعصير التمر الهندي فأذا بمطعم البلعاوي يعج بالمنتظرينعلى الدور, تناولت من عنده كيسا من شراب التمر الهندي , وسرت في طريقي لانظر اذا كان منذر الخليلي قد صنع لنا قطايف رمضان التي لن ننسى مذاقها كل عام وقد كان انقطع عن صناعتها منذ عامين. فأذا به لا يزال يجهز محل جديدا ليبدا العمل هذا العام, اما جاره حامد الخليلي المختص اصلا بصناعة الهريسة والعوامه بانواعها الصره والعاديه وكرابيج حلب , فقد جهز كل شيىء واشتريت القطايف وما يلزمها من حشوة القشطة او الجوز وجوز الهند . وها انا بعد ذلك ادخل دكان ابو حمزة الروابده لاجد عشرة اصناف من المخللات السورية فأشتريت خليط منها والواح القمردين الجمل والخروف وغيرها وفي دكان زياد الفندي تجد الاصناف معروضه بطريقة تجبرك على شراء مائدة الساحور والجبنة الصفراء وجبنة المثلثات البقرة الضاحكة والسنيورة تستقبلك في ثلاجات العرض. ولا يمكنك الخروج دون ان يلفت انتباهك انواع التمور والتي تشف نفسك عليها وانت صائم وفي اشد لحظات الجوع وتشتري وتشتري وكأنك تريد ان تأكل السوق كله عند افطارك .وبسرعة قبل ان يدركني الوقت اعود ادراجي الى البيت لاجد ام احمد والبنات كأنهم في معمل داخل المطبخ وبخار الطبخ يعج في البيت لاستقبال رمضان بطبخة المنسف الاردني المشهور ولانه الاكله التي يحبها كل اولادي فلا داعي للتصويت عليها لاننا غدا سنعمل تصويت لنوع الطبخة القادمه هل تحبها ام لا؟ فيبدأ كل من الاولاد بطلب طبخته المفضلة حتى يغلب الطلب على الترتيب الثاني للاكلات الحواريه وهي المقلوبه. وهكذا المطاف فيوم الملوخية باللحمة والمحمر والحجازية والكبة المقلية والمهبل ومحاشي الكوسا والدوالي ويوم الاكلات القديمه اذان الشايب والمجدرة والكعاكيل والرشتاية وشوربة العدس وشوربة الفريكه والمسخن . الى ان يصل المطاف الى الثلث الاخيرمن رمضان ليبدأ التفنن بالطلبات فهذا يقول زهقنا المنسف من كثر العزايم بدنا مشاوي واخر اوزي واخرى كرشات وكراعين واخرى تطلب المكمورة والذي ينهمك في الطبخ وكأنها شمعة تذوب هي ام احمد فلا تجد وقتا تقرأ القرآن او تجلس لتستريح في ساحة البيت .
رغم ذلك كله فقد صنع رمضان حراكا عائليا ومجتمعيا في حواره من نوعين الاول: حراكا دينيا والاخر: حراكا استهلاكيا فالاول بدأ في حارتنا كانت مبادرة الاحتفال بأعلان قدوم رمضان حيث وزعت الحلوى ومحملة ببطاقات رمضانيه مكتوب عليها عبارات كلآهلا رمضان او رمضان مبارك ومكتوب بداخلها نصائح سريعه خاصة بالشهر الفضيل والرسم على وجوه الاطفال اشكال الهلال والنجمه تحبب الاطفال في رمضان وتجعل به ولقدومه بهجه كما ركب الجيران هلال رمضان المضيء على شبابيك البيوت وحملة افطار صائم على شارع حيفا بغداد في كل عام حيث توزع وجبة افطار للسيارات المارة قبل الافطار بعشرة دقائق .ولجان الزكاة التي تتحسس الفقر في جيوب الاهالي وتتفقدهم بزكاة الفطر والزكاة والعطايا وانطلاقة المصلين من والى صلاة التراوييح والصلاوات الخمس في المساجد ويزور الناس موتاهم في القبور ليقروا عليهم فاتحة الكتاب متذكرين الموت وانه لا يترك فينا قوي ولا ضعيف اوغني او فقير ويتقفدون الارحام فهذه عزيمة الرحم في رمضان لا بد منها في كل عائلات حواره .تجتمع الاخوة والاخوات والعمات والخالات والنسايب على مائدة واحدة لم تكن الا في رمضان ينتظر الكل صوت الاذان الموحد. ليبدأوا بالدعاء وشرب الماء او الشنينة واكل حبات التمر اللهم اني لك صمت وعلى رزقك افطرت ذهب الضمأ وابتلت العروق وثبت الاجر ان شاء الله بسم الله والحمد لله رب العالمين .ثم تقدم حلوى القطايف وشراب التمرالهندي وشراب السوس منتظرين اقامة صلاة التراويح ليبحث كل منا عن المسجد الذي يرتاح به اما لحسن قراءة الامام واما لوجود الميكفات التي اصبحت من الضروريات مع هذا الحر الذي لم نعتاد عليه فهذا الامام يطيل الصلاة وأخر يطيل بالدرس بين الصلاوات وهذا المسجد فيه الاولاد الصغار يركضون ويمرحون داخل المسجد لاتجد خشوعا عند المتحسسين من وجود الاطفال وهذا المسجد يكثر به المصلين على الكراسي وغيرها من مبررات التغيير والتبديل للمساجد ونعود من صلاتنا وقد اقمنا الليل ليبدأ الناس حضور الجزء الخامس من المسلسل السوري ( باب الحارة) صياما مقبولا وذنبا مغفورا ان شاء الله ...
محاولات كتابية /بقلم فادي مرعي حداد
