كانت حوارة في السابق, كما حدثني اجدادي حارات بسيطه لا شغل للناس فيها الا فلاحة الارض وجني المحصول والبيادر, فكانت الحبوب اكثرالمحاصيل الزراعية اهتماما مثل القمح والشعير والعدس والكرسنة, وكان المنجل رمز من رموز ذلك الجيل ,
وتستمر عمليه الحصاد وجني المحصول, من عمليات حصيده وغمار ورجاد وبيادر ودراس وتذرايه وتنخيل وغربله وقطف وتتبين وتخزين, الى مدة شهرين عمل متواصل, منذ بزوغ الشمس الى غروبها , رجالا ونساء ,صبيانا وبنات , الكل يعمل كخلية نحل ,لا يعرفون الراحه ابدا , ولولا هجوم الليل عليهم بظلمته, لتابعوا ليلهم بنهارهم, يعملون ويكدون ,فقط ليؤمنوا لقمة العيش, حتى ان بغالهم وحميرهم وجمالهم تعبت بقدر تعبهم , وكانت حياتهم رغم ذلك, مليئة بالألفة والمحبة والتعاون, يتزاورون ويتسامرون, ويتعللون على ضوء سراج خافت, ممزوج بضوء القمر, يحاكي هدوء الليل, وصوت صفير الصراصير, تعزف لهم معزوفة الليل الآمن, ليناموا بعد تعب نوما عميقا , لا يكدرة شيء, ويفيقون على زقزقة العصافير, وصياح الديك, ونباح الكلب,ونهيق الحمار , وثغاء الغنم . واقتحام ضوء الشمس لرواق الشق, او صيباطة البيت, التي كان الناس يعشقون النوم فيها, لا تعلوهم الا سماء صافيه ونجوم تتلألأ , ولا تحجزهم ابواب ولا جدران, تراهم يعدون النجوم في ليلهم, وهم متلحفون قبل ان يغطهم النوم العميق, وتحملهم الاحلام الوردية المسلية الى راحة تامة, تعيد للجسد نشاطه وحيويته , ليستيقظ فلاحنا الحواري باكرا على شغلة, وينقض كما ينقض الاسد على فريسته ,قبل ان ترسل الشمس اشعتها على سهول حواره, يكون قبل ذلك قد حمل شاعوبه ومنجله , واعد زاده وراحلته على حماره الذي اظنه نام واقفا , وملأ الروايا بالماء وحملها عليه, تحت الخرج الذي يحمل به زاده, ويسير وراء حماره هو وزوجته, وربما يحمل اولاده ,ليصل الى حقله وزرعه الذي يناديه, قبل ان يجف نداه, محتفظا برطوبته. يسابق الشمس , ليعمل على تغميره قبل ان تسقط اجراسه, وتضيع حباته في ارضه, ولا يقدر على لمها وحملها .
كان الحمار في تلك الحقبة, شراكه بين الجيران , يعار ويستعار ,لا لغلاء ثمنه, فلم يكن له سعر ابدا , الا في السبعينات كما اذكر . ولكن لقلة توافر التبن والعشب لاطعامه طوال العام , فالحمار هو الوسيلة الوحيدة لحمل الاثقال , وكما كانوا يقولون (ابو زيد خاله), من كان يملك حمارين في ذلك الوقت ..
المشي والتنقل على الاقدام كان امرا لا يصدق حينما كان يتحدثون لنا الاجداد عن ذلك, يقطعون المسافات , تراهم حفاه , او اشباه حفاه بحذاء اصابه الاهتراء .
كان القِدر والحلة والشاعوب والمذراه والغربال والدلو والحبل والخطافه وكل شيء يتبادلون استعارته من الجيران,
هكذا كانت حياة اجدادي فكيف هي حياة اولادي ؟
وانتقل بكم الى حياة الاولاد, تاركا ذكريات الاجداد , وانتم اعرف مني بجيل هذا اليوم , جيل ترك العمل ورضي بالكسل , جيل همّة شبسه, وزيّه ولبسه ,جيل نثر شعره وكشف ظهره . جيل طرب لمغناه وترك معناه . جيل لمطربه صفّق واخذ منه وطبّق .جيل لزم الطرقات وترك الصلوات . همه يومه ونسي الممات . استبدل منجل اجداده بمبدل القنوات . واصبح شغله دردشة وجمع الصديقات
من كتابات المعلم / فادي مرعي حداد