كنت في جولة في بعض المدارس, وكان الهدف من الجولة الاطلاع على الاهتمام بالنظافة والصحة العامه في مدارسنا, اجمع صورا فتوغرافيه حول هذا الموضوع ,لاخراج فلما وثائقيا حول الصحة العامه, خاصا بلجنة صحة مجتمع حواره ,والتي شرفني ان انضميت لعضويتها . حيث تنوي اللجنة عرض هذا الفلم على ابناءنا الطلبة في مدارسهم, لرفع روح الانتماء للمدرسة ,والاهتمام بالصحة والنظافة العامه ,ولخلق بيئة مدرسية امنة ,والتقليص من التصرفات السلبية التي ينتهجها بعض ابناءنا الطلبة ,غير مكترثين او متحملين اية مسؤولية تجاه تصرفاتهم الهوجاء, والتي في الغالب تسيىء الى البيئة المدرسية ,وممتلكات المدرسة الاساسية ,كمفاتيح الكهرباء والاباريز ووحدات الانارة الكهربائية , والمقاعد والابواب والشبابيك والجدران وغيرها . وفي اثناء الجولة كنت فعلا مندهشا لما وجدته على ارض الواقع ,والذي زاد من اصراري على المتابعة في جمع الصور, والتي ربما يعتقد البعض عندما يشاهدها ,اني قد بالغت فيها ,وما هي الا حقيقة واقعه, قد رسمها ابناءنا الطلبة على صورة مدارسنا الحكومية . فمن مدارس تعجبك ساحاتها, ومداخلها وحدائقها وصوفوفها ,وممراتها .وكأنها معرض فني دائم, مزينة بالرسومات واللوحات الفنية, والمجسمات والورود ,والتي تفوح رائحتها وتعطر المكان ,وترى انعكاس الصور كمرآة على ارضية الممرات ,وقد زاد المكان جمالا فوق جماله, احترام الطلبة لهذه المعروضات والمحافظة عليها , وعندما تدخل الى تلك الصفوف كانك تلمس ثقافات هؤلاء الطلبة ,وقد ابدعوا في تصميم اللوحات الاعلانية المعلقة على الجدران, والافكار الفنية ,التي نقشت على مخيلاتهم لانتاج الابداع ,لمنافسة الصفوف المجاورة, في اي الصفوف هو الاجمل؟ فيدخل المعلم لصفه, لينشرح صدره ,وترتفع دافعيته للعطاء ,كيفما ينظر يجد الجمال والحب يعانقه من كل جانب, ليقرأ لوحة قد علقت بجانب السبورة ,كتبت عليها عبارة (اهلا بك معلمي يا نبع الحب والحنان ... اهلا بك معلمي يا منهل العلم والامان) .. وفي تلك الزاوية يرى لوحة اخرى, كتب عليها عبارة :(احب مادة الرياضيات ... احبها حتى الممات ) ... وينظر الى اسفل اللوح وقد علق الطلاب مجسمات للورود الصفراء والحمراء, وعصافير كرتونية علقت في السقف ,تحلق ويداعبها الهواء, وحول السبورة قد التفت عبارات (اسماء الله الحسنى )خطها الطلاب على قطع كرتونية ملونة ,على شكل قلب او وردة ,ليبدأ المدرس حصته (بأسم الله الرحمن الرحيم العليم الحكيم) وينتهي (بمالك الملك ذو الجلال والاكرام)عندها يخلص في البذل والعطاء .
وفي اجواء اخرى, وعالم اخر,ومدراس اخرى .كانت الدهشة اعظم ,والحزن اكبر ,عندما تدخل ابوابها ,تجد تعليقات وترحيبات الطلبة المتطفلين والذين تعمهم الفوضى العارمة, محاولين التسرب من المناوب ,على البوابة الرئيسية, يختلقون الاعذار الكاذبة ,وهو يسمح بالخروج لمن يروق له, لا تسمعهم ولا يسمعونك, حين تسألهم (اين الادارة المدرسية ؟ ) ليدلك احدهم الى غرفة خاوية , في زاوية بالية .تعتقد في نفسك انه يسخر بك ويشير الى مديرة المنهمك في حل القضايا, والمشكلات الطلابية, حاملا عصا او خرطوما يلوح به ,يستعمله حين يرى ان الطالب قد بادر في الاعتداء اوالهجوم, ويطلب منك المدير ان تنتظره قليلا, ثم يشق لك طريقا من بين الطلبة المكتظين في الممرات, لا تعرف ما هي المراجعات التي دفعتهم للتوجه الى الجناح الاداري, وكانك في مظاهرة عارمه, ترى فيها العجب العجاب , فهناك مدرسا يدفع بالطلبة بيدة ,ليدخلوا صفوفهم ,وهناك طلبة يتصارعون في مزاح كانها مذبحة, وهناك مجموعه يتجادلون مع مدرس اخر . وهو يرفض ان يستمع اليهم ,وهذا طالب محمول قد كسرت قدمه , كل ذلك واكثر ستشاهده في هذه اللحظات قبل ان تدخل غرفة المدير, وما ادراك ما غرفة المدير. وفي جولة في الممرات لا تعرف هل هو وقت فرصة او وقت حصص, من كثرت الطلبة فيها ,وتمشي تخشى ان يصطدم بك طالب في عجلة من امره ,تسأله , تجدة يبحث عن طبشورة في الصفوف المجاورة وهذا يستعير ممحاة للسبورة, وهذا راجع من دورات المياه وهذا ذاهب اليها ,واخر يبحث معلم الرياضيات فقد تأخر المعلم عن حصته, والطلاب يسألون عن التعويض بحصة الدين الاخيرة ,تريد ان تدخل الصف, فلا تجد يد الباب او ربما لا تجد الباب لتدق عليه, لتطلب الاذن من المدرس الموجود ,ولماذا تدق الباب اصلا ؟ ربما لا يسمعك المدرس الموجود ,لانك حين تدخل لا تراه من كثرت الملتفين فوقه وحوله ,عندها يدرك انك ضيف, فيصيح بالطلبة ليصمتوا , ليستمع اليك او لكي لا تأخذ فكرة اخرى عن شخصيته ... وما ان تتكلم معه,وتسلم عليه وتسأله سؤالك, الا وقد تنطح لك طالب واخر واخر... ليجيبوك عن سؤالك, وفي النهاية ربما يكتفي الاستاذ بأجاباتهم لك, والتي لم تفهم منها شيء, لتداخل المتكلمين وتنزعج وتتكدر نفسك وتسرع خارجا من ذلك الصف المهزلي, وتلك الصورة المشئومة, أعود في ذاكرتي للوراء, الى التربية والتعليم في الايام التي كنت فيها طالبا ,وأرفع يداي وابتهل بالدعاء لوالدي ,فهما المربّيان والمعلمّان , والى معلّمي في ذلك الصف الملائكي . الذي ضرب فأوجع فرّبى , ثم علّم ,وعادت بي الذاكرة والحنين الى جدران مدرستي التي احب والغرفة الصفية وذلك المقعد الخشبي المشترك , فينتابني الاحساس انني بحاجة الى ان أقبل ذلك المقعد .وذلك الجدار أنه ذلك الحب الذي ضاع واندثر بين هذا الجيل من الطلبة وذاك المعلم المربي وهذا الصرح العلمي الرائع (مدرستي )
المهم اخيرا انني حملت معي مجموعة من الصور, التي تمثل الصورة التي اشرت اليها في كتاباتي هذه, لا اجد جوابا لسؤال جد في بالي ( من المسؤول عن هذا كله؟ ) وكنت في حيرة من امري, كوني شاهدت صورتين نقيضتين تماما, لمدارس مثالية ,واخرى فوضوية , فحين كنت افكر ,سرعان ما اشرت ان الطالب هو سبب ذلك ,اعود واستنكر ان يكون هو ,فما الفرق بين طلبة مدرسة , واخرى, فأشير بعدها الى المعلم بيد الاتهام, وازداد حيرة فوق حيرتي, فأصر انه ولي الامر,,, واتراجع بعدها ثم استعرض القوانين والتشريعات التربوية لوزارة التربية والتعليم فأرى انها طبقت في مدارس اخرى ,وكانت تماما ناجحة....... قد ضاع المفتاح.... وعلقت القضية ضد مجهول.... من يجد المفتاح فليقول.... من هو المسؤول ؟
من كتابات فادي حداد تشرين اول 2010 موقع حواره الالكتروني
