مقال الاثنين 18-3-2013
أعظم صناعة في الدنيا هي صناعة "الدهشة"..وتزهير "الممكن" من صخر "المستحيل"..
مساء الخميس الماضي كنت ضيفاً على أهالي حوارة - ديوان آل غرايبة الكرام ، اعتقدت قبل الوصول إلى المكان ، أن الأمر سيقتصر على إلقاء محاضرة تقليدية عن الأدب الساخر ، والإجابة على أسئلة معتادة ، في ظل حضور لن يتجاوز الخمسين شخصاً بأحسن الأحوال ، جلهم من المتقاعدين المدنيين والعسكريين وبعض رواد العمل الثقافي..لكن حوارة أصرت كما هي دوماً أن "تصنع الدهشة"..
الدهشة الأولى..ان شباب الغرايبة أخرجوا الديوان من وظائفه التقليدية " أعراس وعزاءات" ، "صلحات وعطوات" أو التحضير المدروس"لهوشات" مضادة..بأن أسسوا مجلساً لشباب العشيرة قبل ثلاث سنوات تحديداً في 27-10-2010.. يحمل رؤية ثقافية إعلامية اجتماعية توعوية وخدمة مجتمعية..الهدف منها إدماج الشباب بوطنهم وتربيتهم تربية وطنية انتمائية ،في ظل تخلي الدولة عن دورها هذا، بسبب انشغالها بتغيير "الوجوه"..و"تقطيب" الملفات التي أمامها..
الدهشة الثانية ..ان مجلس شباب العشيرة..لم يجمعه رابط الدمّ في نشاطاته وإنما رابط المكان..فقد قاموا بإنجازات تفوّقت على مجالس الشباب ذات الرعاية الحكومية ..ومن اهم ما قاموا به متطوعين : حملة لترميم وتعشيب مقبرة حوارة وصيانتها، تنظيم مواقف السيارات، حملة تبرع بالدم، تكريم المتفوّقين بامتحان التوجيهي من أبناء البلدة ، حملة كسوة العيد ،حملة كسوة الشتاء، حملة مونة الشتاء..بالاضافة الى المحاضرات السياسية والأدبية المنتظمة، ومبادرة "كتاب الأسبوع" الذي يناقش في "المضافة" كل خميس..
الدهشة الثالثة ...أن الشباب هم من يديرون وينفذون هذه الحملات بإشراف واستشارة كبار العشيرة وهذا يعدّ انقلاباً في دور الشباب الذي رسخته النظرة العشائرية التقليدية والتي كانت تحصر مهمة اليافعين في "ًصبّ القهوة" و"تنظيف المكتّات"..ومسك "البشاكير" عل المغاسل أو مد السجاد للمصلّين..
الدهشة الرابعة...أنهم بهذا السلوك الحضاري جداً ، أعطوا درساً –أدبيا- لكل من يدعي الوطنية معتقداً انه اذا وضع "الشماغ الأحمر" على كتفيه أو رفع الصور فوق رأسه أو رفع صوت "السيستم" على أغاني "عمر العبد اللات" القتالية...تسمّى تلك الهوبرات الفارغة "وطنية"؟؟
الدهشة الخامسة..الحضور الكبير الذي تجاوز المئات من كافة أبناء البلدة، والعلاقة الودية والقرب الروحي بين أبناء العشائر المختلفة..مع إن المادة المقدّمة في الديوان مجرّد "ندوة ثقافية"..
لقد أمضيت ساعتين في ديوان الغرايبة من أجمل ما أمضيت ،فقد عادت المضافة "بيتاً " للحكاية وللفكر والسياسية..وعادت الضحكات الصادقة تعشعش في زواياها ، مورقة ً على القلوب الطيبة والحروف الوطنية..معتقة بدخان وأنفاس وأحلام الحاضرين...
ليت هذه التجربة .. تعمم على باقي "مضافات" الأردن..لنستعيد الوطن العتيق الذي نحب ونحن اليه دوماً
ما زال في هذا البلد..ما يستحق النضال..
احمد حسن الزعبي