16 يونيو 2012البلد:الإيميل: [email protected]رقم التليفون:قادم من صفحة: http://howwarah2009.kenanaonline.com/ضبية وسعن وشكوة قبل ان تكتسي ازقة قريتنا بالقار الاسود وقبل ان نرتدي بدلة الحضارة المزيفة كان للحياة طعم آخر كانت شلايا الغنم تملأ القرية بثغائها وصياح الديكة يشق سكون الليل معلنا بداية يوم جديد كان الثغاء صادرا من كل بيت الا القلة قبل ان تنير انوار الفجر خطوط الافق كانت كل القرية تصحو دون ساعات تنبيه كانت امي تقوم قبل الجميع بفطرة الامومة المودعة فيها لتعد للجميع كل ما يحتاجون آه ما اطيب الامهات القديمات!!!!!!!.
بعد صلاة الفجر والجو ما زال يتلفع ببرد الصباح والندى الغراق اخرج مع امي الى الصيرة لتحلب العنزة والنعجة اراها تقرفص ودلو الحليب امامها تفرك درة العنزة تسمي الله قبل كل شيء وتدعو بالبركة ثم تبدأ خطوط الحليب باختراق صمت الصباح تلعلع في جوف دلو الحديد ثم تحلب النعجة وكم كنت اتأفف من حليب النعجة لمذاقه الدسم وطعم كل الاعشاب فيه وارى الرغوة تحاول الفرار من وجه الدلو الممتلئ ثم تغلي الحليب لنستقبل الصباح ببياض الحليب وقبله بياض قلب امي ورقته في دعواتها لنا بالتوفيق قبل الذهاب الى المدرسة البعض يقوم بتكاسل فكم تمنينا ان يطول بنا النوم حتى تشرق شمس الصباح ولكن هيهات فكل واحد له مهمة قبل الذهاب الى المدرسة ما ان تشرق الشمس وتخترق اشعتها سهول القرية وجبالها حتى يعم السكون فقد ذهب الاولاد والبنات الى مدارسهم وخرج الرعاة باغنامهم ولم يبقى في القرية الا صغار البهم الفطايم وهم صغار الخراف والماعز وهذه تلعب مع بعضها وتتسلى انتظارا لعودة امهاتها عند الغروب لتملأ الدنيا ثغاء مرة اخرى اما امي فلديها من العمل الكثير لتنجزه قبل ان تركب طنجرة العدس على الصوبة لاعداد الغداء في ذلك الزمن قلة قليلة من كان لديه ثلاجة لحفظ الطعام اصلا كان الطعام يخزن في بطوننا ولم نكن بحاجة الى ثلاجات اما اللبن فقد كانت وسيلة حفظه ان يوضع في الضبية او الشكوة المعلقة باحكام في مكان ظليل وتبقى رطبة باردة بعد ان تضع على فمها بعض الاعشاب مثل الزعتر او الحلبة او الحندقوق لتكتسب مذاقا رائعا كلما زادت كمية اللبن بمرور الايام يصبح لزاما عليها ان تخضه ليتحول الى زبد وشنينه وهي عملية تتطلب منا المساعدة بعد اضافة الماء البارد من خابية الماء الملفعة بالخيش المبلول الى بطن الشكوة او السعن لتجتمع حبيبات الزبدة وهذا كله قبل ان تطل علينا التقنية الحديثة بالخضاضات الكهربية التي سهلت العملية ولكنها افسدت طعم كل جميل كم احن الى رائحة الدباغ المتسرب من جلد الضبية وهو يلون الارض تحتها بقطراته وتستمر رحلة الخضيض بسواعد امي التي لا تعرف الكلل وكأن الضبية جدي سمين يتمرغ على الارض في يوم ربيعي مشمس وهي تقول يمه كشوا الذبان الذي يصر ان يقع على بقايا الماء المتسرب ما ان تنتهي امي من خض اللبن حتى تقف بعد ان أعياها الجلوس ثم تحضر اناء كبيرا لتفرغ فيه بحذر الشنينه ودون ان تسمح للزبدة بالخروج ثم ترج الشكوة جيدا وتقلبها لتخرج ما في جعبتها من زبدة وبقايا شنينة فتختلط ضحكاتنا مع ابتسامة امي وكل منا حضر لنفسه قطعة خبز او شراكة ندهنها بالزبدة ونتفرق في ارجاء البيت نلتهمها مع بقايا كأس شاي بالمريميه التي تفوح رائحتها ثم تنظف امي الشكوة وتعيد تمليحها وتثنيها برفق وحنان لتعلقها مرة اخرى لتنهمر منها قطرات الماء محملة بالملح وكانها الدموع تلك الايام كانت احلى من الشاي واصفى من الزبدة وجلساتها اجمل من البدر ضحكاتنا كانت بريئة كانت ايام بركة وخير أمي لقد كنت مصدر الحياة لنا وقنديلها الذي اضاء لنا الطريق اطال الله بقائك يا امي يا رمز الحنان ……. وانظر الى القرية الان اين ذهبت الاغنام لقد ضاعت الشكوة والضبية نخرها الدود وكأنني اسمع بكاء النمل على تلك الايام وبكائنا آه كم نحن الى تلك الايام السعيدة لقد هربت من بين ايدينا كما هرب الماء من الابار ورحل النمل ولم يبقى له اثار كم اتحسر على جهلنا وتفريطنا!!!