كنا ونحن اطفال نسمع هذه العبارات, نرددها ولا يزال لها وقعا خاصا في نفوسنا, قد رسمت صورة صفاء الشمس الدافئة, في شتاء قد طال, واشتقنا لدفىء الشمس فيه, لنخرج ونلعب في الحارات والزقاق, فلم تكن لدينا العاب الكترونية او حواسيب نقضي عليها اوقاتنا, فقد كنا في صحبة مع البيادر, نلتقي فيها لنلعب, والحواكير والتراب الندي قبل ساعات قد جف سطحه وتشقق, ورسم اشكالا هندسية لقطع متراكبه من التراب المتماسك, يشتاق لنا ونشتاق اليه , نرحب بقدوم شمس دافئة , ونردد:- شمست شميسه, على قريعة عيشه ... عيشه بالمغارة ,اكلت قطه وفاره ...خبتهم في جيبتها .... الله يخزي شيبتها .... جيبتها جيبة واوي, مثل القط المراوي ... يا جمال ابو علي, سلّمن على النبي ..... والنبي قدامكن, الله يعين اصحابكن ....
ولا ندري من هي عيشة , ولم نعرف الواوي , ولا القط المراوي , لكنها كانت انشودتنا ,عند كل بزوغ للشمس, من بين غيوم الشتاء, تجد ترحابا من قبل اطفال حواره , والفلاحين الذي كانوا يتلهفون للمطر, والشمس ويترقبون ان تجف الارض, ليسرع الى محراثة فيحرث الارض, لاستقبال مطر السماء المنهمر, والذي كانت تسيل فيه الوديان, وينهدر من اعالي الحيطان, مارة في زقاق حواره وطرقاتها, ومن بين مساكنها , لتلتقي في الوادي الشرقي, فيسمع هدير الماء من بعد كيلو متر, او اكثر, لترتوي ارضها الحمراء الداكنة, المتعطشه لتختزن ربتها ,الى ربيع قادم, فيه حقول الحمص, وحبات الفول اليانعه من بين زهرة الفول البيضاء واصابع البازيلاء المتدلية الخجولة, وحواكير البصل والثوم , والى صيف يعشق البطيخ والقثاء والحروش والشمام, وقرون اللوبياء والبامية وحبات الكوسى وبيوت اليقطين الممتده في مقاثيها , يتخللها دوار الشمس, الذي يعانق السماء بقمته المتوردة الصفراء, يرحب ويراقب شمسها , وكنا نسمية (عبّاد الشمس) لاعتقادنا انه يعبدها , لملاحقته ودوارانه لاتجاه اشعتها, من صباح الى مساء, وعرانيس المقاش تلف الحقول , كجنود مرابطون يحرسونها من تطفل الاغنام والماعز المارة, والحمير السائبة المتطفلة , وللفزاعة قصص وحكايات مع عصافير المقاثي , فهي كالغفير يلّوح لتهرب العصافير والطقطق والدويري , لتبتعد عن تلك المزروعات, ويمنعها من التخريب, فهي والفلاح في صراع, تنقر له القثاء, وتفص له حبات دوار الشمس , فيخيفها بعمود واقف, يرتدي لباس الفلاح البالي, يدق في وسط المزروعات, يلوّح الهواء بيديه الممتدتان , فتهرب العصافير وتبتعد الى مكان بعيد ...
وتعلمنا في تلك الفترة ,عشق الارض, وحب الشمس والماء, واجمل ما نهوى ان نجلس تحت فيّة اشجار الزيتون . نوقد النار ونشرب الشاي على الحطب وندغدغ التراب باناملنا , ونلاعب الحصا بايدينا , لعبة القالة او الزقطة , ونسرح في الخيال ,ونحن نمسك بعصا صغيرة كالقلم, ونخط على التراب رسومات وخطوط, لو انها تحفظ , لكانت اجمل اللوحات ...تلك هي حياتنا وتلك هي اللحظات ... من كتابات فادي مرعي حداد تشرين اول 2010
شمست شميسة على قريعة عيشة
عيشة بالمغارة قتلت قطة وفارة
حطتهن بجيبتها الله يخزي شيبتها
شيبتها شيبة واوي مثل القط المراوي
يا جمال أبو علي سلمن على النبي
والنبي قدامكن الله يعين اصحابكن
عالمقص وعالمقص
البنت السمرا عملت ( هص )