صباحك سكر
زاوية هاشم غرايبةSunday, August 08, 2010
صباحك سكر. صباحك عسل. صباحك شهد..
نعم، صباحنا سكر!
يستهلك الأرادنة 180 ألف طن من السكر سنوياً بمعدل 30 كغم سكر لكل مواطن بما في ذلك الغني والفقير، الكبير والصغير والمقمط بالسرير! ولم يحسب بعد السكر المستورد عبر الشوكولا تة، والبسكويت، والتوفى والعصائر والحليب، هذا ما عدا ما نتناوله من سكر عبر التين والعنب والبطيخ والمشمش والاناناس..!
يبدأ يومنا بالقهوة الحلوة، والشاي القريب من القطر! وعلى الفطور نتناول المربى والزبدة، أو العسل والقشطة.. وفي القرى والبادية يعتبر السمن البلدي مع الحلاوة الطحينية أفخر مائدة. وإن عز منال العسل والسمن، فلدينا "فشخة الشايب" وهي دبس التمر مع الطحينية. وفي طفولة جيلي كنا نفطر "فتة الشاي" ونحلي بعدها بإبريق شاي مونته عرامين سكر وقبصة شاي. والسندويشة الأكثر رواجا في طفولتنا كانت سندويشة سكر وزيت.
أظن أن الأرادنة من أكثر الشعوب استهلاكا للسكر!
في الأعراس كيك وكنافة. نتائج التوجيهي شوكلاتة وحامض حلو. عندما نتزاور نهدي بعضنا بعضا معمول وبقلاوة ومبرومة.. حتى مريض السكري نعوده بصفط حلو!
مليون وثلث المليون أردني مصابون بالسكري! لا غرو.. ففي كل بيت دفتر، أو كتاب يكون مرجعاً لربة البيت في صنع الحلويات، وفي كل سوق، وشارع، ومنعطف تجد محلاً مزدهراً لبيع الحلويات.. وفي كل قرية تجد على الأقل دكاناً لبيع الهريسة والعوامة وعقال الشايب!
نحن نرش ع الموت سكر.
في العزاء نوزع التمر بكرم، وبعض الناس يقدمون للمعزين الكنافة والبغاجا والمدلوقة زكاة عن روح المتوفى!
لا نهاب السكر، وإن غاب نستدعي مناسبة لإحضاره! .. سكر احتفاء بالمواليد الجدد. سكر احتفالا بالطهور. سكر بمناسبة التخرج من الجامعة. سكر احتفاء بالعائد من غربته..
لكن السكر اسمه معاه أبيض وحلو..
أجدادنا أطنبوا في مديح السكر لندرته ولحاجة أجسامهم له بعد يوم عمل شاق فقالوا الحلو اسمه معاه حلو. حدا يكره الحلو! الحلو يجوهر العيون، أي يقوي البصر. وقال شيخهم في البطن فجوة لا تملؤها إلا الحلوى. وادعى بدوي انه رأى من ذاق الحلاوة. وقال آخر أبوك يا التويجر لو تدري حلاوتها ما بعتها. وكان الكرم يقاس بمدى السكر في كاسة الشاي؛ وصف زوج عمتي كرم الشراكسة قائلا إنهم يسكبون الشاي بزبادي لها أذان. يملأون الزبدية سكر ويسكبون فوقها الشاي.. هيك الكرم ولا بلاش. وتمنى فلاح يعشق السكر: دنم هريسة وتشتي الدنيا عليه قطر.. وفي رمضان كانوا يتسحرون القطر. يغمسون القطر بالخبز ليسند يومهم الشاق.
كان أجدادنا يحرقون السكر وغيره خلال عملهم البدني المتكرر، ومشيهم الطويل، لكننا اليوم نربض في مكاتبنا وفي سياراتنا وخلف أجهزة التكنولوجيا الحديثة نبحث عن المأكولات والمشروبات الخالية من السكر "الديت"، ونستهلك أضعاف ما كان يتناوله أجدادنا من الحلويات عبر مئات الأصناف والمسميات.. ما زلنا نعشق السكر!
صباح الغيم والندى
صباح الشعر والموسيقى
صباح الريحان والزعتر
صباح الورد والياسمين
صباحكم سكر!