أمي..زاوية هاشم غرايبةMonday, December 14, 2009من بعدك سيفرح بهاتفي مرحبا: ''هلا يا بعد امك''. بعدك يمه من سيدللني، ومن سيؤنبني، ومن سيعاملني كولد؟ بعدك يمه أشعر أني شخت فجأة.. بعدك يمه من سيغفر كل زلاتي، ويحب عيوبي، ويعذر تقصيري.. يمة؛ كانت الدنيا واسعة بحضورك.. وكنت غزالا بنظرك، ولو سخرت مني العيون! وكنت جميلا، ولو قبحتني الذنوب! بعدك يمة؛ من سيوقظ الصباح برائحة الخبز، وعبق البن المحمص! ومن سيوقظني من نومي بطريقة لا تجيدها إلا الأمهات؟ أمي مثل جيلها من أمهاتكم كانت آخر من يأكل، وأول من يستيقظ. وأبعد ما تكون عن النار إذا اصطلينا، وأقرب ما تكون من النار إذا جعنا.. أحبك يمه. وأحب دموعي وهي تسح إجلالا لذكرك. * أمي، بحضورك كانت السماء قريبة، وبابها سهل الانفتاح في ليلة القدر، وفي غير ليلة القدر، وكنت تمدين لنا خيطا من رائحة الجنة دون تبجح.. وكانت الدروب أوسع، والقامات أعلى، والفضاء أرحب، ومباهج الحياة متباهية باستقلالها. بعدك يمه؛ من سيغني لفرحي ويلتاع لوجعي بلا منية، من سيزرع لي في قلبه وردة، ويسقيها من دمعة العين؟ من سيجدد فرحة اللقاء بي في كل مرة، ويهتف مهللا: ''هلا بجيتك هلا''؟ أمي مثل كل الأمهات كانت أول من يفرح لفرحي، وأكثر من يحزن لحزني.. وكانت تراني غزالا، ولو ضحكت مني العيون. أحبك يمه. وأحب دموعي وهي تسح إجلالا لذكرك. * يمه؛ من سيقص على أطفالي الحكايات حتى يناموا، وإلى من سيلجأ صغيري إذا حرد! ومن سيدلنا على درب بيت ''الجدة'' الدافئ، إذا ضاقت بنا الدروب! أمي مثل أمهاتكم، كانت تحترف القلق على أبنائي إذا مرضوا وإذا لم يمرضوا، وإذا سافروا وإذا لم يسافروا، وإذا امتحنوا أو لم يمتحنوا.. أمي مثل أمهاتكم أحبتنا بلا حدود ولا شروط، ولم تكن مشاعرها تبلى كما يبلى الثوب. أمي مثل جيلها من أمهاتكم أيضا، كانت تقول للصغير حوطتك باسم الله، وللكبير مودع بالله.. وللصبية يا ما شاالله.. وكان الله حاضرا في قلبها مجدا ومحبة وبركة. ولم يكن لفظ الجلالة يجري على لسانها لحصد الحسنات فحسب، بل كان ابتهالا للعلي القدير كي يسدد خطانا على الأرض. أحبك يمه. وأحب دموعي وهي تسح إجلالا لذكرك. * يمة، ماذا أفعل بمفتاح الدار وقد خلت من أهلها الدار؟ هل ستفتح الدار ذراعيها رحبة ومرحبة كما كانت تلمنا في حضرة ''الحجة''! من سيرد على الهاتف إذا رن، ومن سيبسط مفرشه على مصطبة الباب فيجمع حول تيرمس القهوة ''قرامي'' البلدة وعابري السبيل.. سامحيني يمه: أعدد خساراتي برحيلك، ولا أذكر عطاءك.. أرأيت جحودي! وحدك تحتسبين جحودي وفاء مؤجلا، وترين في نقصي كمالا. وحدك تغفرين، ووحدك تعطين، وحدك لا تأخذين، ووحدك تغمريني بحنانك حتى لو جفوتك. وتلهجين باسمي مع تسابيح الفجر، وترفعين قلبك للسماء قربانا وأنت تدعين لي أناء الليل وأطراف النهار. * عذرا أبي! تعرف أني أحبك، وأني حزنت لما فارقتنا.. حينها شعرت أنك تلقي على كاهلي ظلالك وتمضي، فوقفت في مقام المسؤولية وتمثلتك.. تابعت المسير على دربك بقليل من الحزن، وكثير من الفخر، وهاجسي أن أتجاوزك لتفرح! اليوم أشعر أن قلبي يتيم يا أبي! ها أنا أودع أمي الحبيبة إلى عالمك، فيشق الحزن صدري، وترفرف روحي مثل عصفورة منتوفة الريش تحن إلى دفئها.. * أحبك يمه. وأحب دموعي وهي تسح إجلالا لذكرك. » مواضيع أخرى في زاوية هاشم غرايبة |