نبش الذاكرة

زاوية هاشم غرايبةMonday, March 01, 2010هاشم غرايبة - لما كتبت عن الراحل فاخر عاقل ودورة في تأسيس دار المعلمين الريفية في حوارة تلقيت عشرات الردود ممن عايشوا تلك الفترة بعضها يُضيف، وبعضها يشرح، وبعضها يُصحح.. ليس الحديث عن الدكتور فاخر عاقل فقط بل عن أسلوب حياة آبائنا وأجدادنا في خمسينيات القرن الماضي، وعن معالم المكان ورموزه التي غابت عن خارطة الحاضر.. حدَّثوني عن المُغر، والبرْكِة، والجامع القديم، والعقود، والقناطر، ومقبرة الأجداد، ومقام الخضر، ونظام العونة، وذكريات المطر والدّلف، والآبار.. وعن كُتّاب الشيخ ارشيد، وكُتّاب الشيخ صالح الرجوب، وحديقة المدرسة التي كانت نموذجاً يحتذى في تنوع أشجارها ومحاصيلها.. وشعرت أننا مقصّرون بحق توثيق ذاكرتنا التراثية، وتاريخنا الشفوي، ومن الضروري تدوين ذاكرة الناس الذين عايشوا تلك الفترة الإنتقالية من المحراث اليدوي و»الرّجاد» على الجمل إلى عصر الفضائيات، والإنترنت والهاتف النقال.. إننا مقصرون بحق تاريخنا الشفوي.. فلكل قرية ومدينة وفريق عرب(تجمع بدوي) ذاكرته الخاصة، وحكاياته المميزة، وطقوسه التي تتفاوت تفاصيلها من مكان الى مكان ومن تجمع بشري إلى آخر.. وهي بمجملها تشكل ثروة وطنية وإنسانية ينبغي الحفاظ عليها من الضياع.. وهنا نتساءل عن دور البلديات، ودوائرها الثقافية في الإهتمام بهذا الجانب، إلى جانب اهتمامها بالمباني التراثية، كما نتساءل عن نصيب هذه الدراسات من مشاريع التفرغ الإبداعي، ومن ميزانيات المدن الثقافية التي ترعاها وزارة الثقافة؟! لقد بادر الأستاذ مفلح العدوان لتدوين جانب من ذاكرة قرانا في كتابه المهم «بوح القرى» بتمويل من جريدة الرأي.. وكتب رواية جميلة «العتبات» من وحي جولاته في الريف الأردني، كما حظيت عمان العاصمة بنصيب وافر من اهتمام الكتاب والباحثين بموروثها وتاريخ تشكلها وتطور عمرانها.. وانطلقت مبادرة هامة لجمع القصص الشعبية «حكايات جددتي».. وبادر الباحث والمدرس في قسم الانثروبولوجي في جامعة اليرموك الدكتور محمد الطراونة لدراسة الحياة الشعبية في مناطق منسية من جغرافيا الوطن، واهتم بتدوين التاريخ الشفوي لبعض الحواضر.. لكن جزءا كبيراً من ذاكرة الناس من شتى الأصول والمنابت، وفي مختلف المناطق؛ يحتاج لتضافر الجهود في الدعم والبحث والتدوين لإعادة اكتشافه وتوثيقه.. أعرف باحثاً هولنديا اهتم بالحركة الصوفية في بلادنا وأعد رسالة الدكتوراة عن الطرق الصوفية، ومشايخها، والعائلات التي انتمت إليها، وصوّر الزوايا، والتكايا، والمزارات..
وقدّم دراسة مهمة عن « التصوف المعاصر» في بلادنا.. كما أني قمت بمساعدة باحثة ألمانية خلال الصيف الماضي في الالتقاء بجداتنا، ومعمري قرانا، والتقت مع عدد من الأكاديميين، والدّارسين، والمهتمين في التراث الشعبي الأردني.. لتعد كتاباً -بتمويل من جامعتها- عن طقوس التعامل مع الموت، وعادات الناس في العزاء، وقامت بجمع الأشعار التي ترددها النساء في وداع المتوفى «التناويح» ودونت الألحان حسب النوتة الموسيقية لتقوم بدراستها وتحليلها .. ربما سيدهش أحفادنا عند قراءة ما كتبه باحثون أجانب عن حياتنا، كما دهشنا ونحن نقرأ وصف باديتنا وريفنا وأسلوب عيش أجدادنا مطلع القرن التاسع عشر في كتاب «رحلات بيركهارت»! أليس أهل مكة أدرى بشعابها.. وألسنا أقدر على دراسة وتوثيق موروثنا إذا ما توفر الدعم والتشجيع الرسمي لهذا التوجه؟! 
» مواضيع أخرى في زاوية هاشم غرايبة