معين غرايبه في 13 مارس،
مدرسة التطبيقات: عندما كان العلم في الصغر كالنقش في الحجر !
لم تعرف سن اليأس فما زالت تلد حتى ولو بولاده متعسره نتيجة مخاض التعليم والمرحله التي نشهد الان في زمن يزخر بمفاجاءات الايام المتجهمة وغدر المفاهيم !
اللاشعور يحرف ابصارك نحوها رغم انفك وانت تقود مركبتك مارا بها تارة الى اليمين وتارة الى الشمال فيمتزج في ذاكرتك عبق الماضي مع هواجس الحاضر والمستقبل ولا يقطع فيلم هذه الذاكره القصير الا زمور مركبة خلفك ابدت امتعاضها من تباطؤ حركة مركبتك امامها !
بناؤها من طابقين يضم الصفوف الابتدائيه ثم الحق بها البناء الجاهز في نهاية السبعينات من الجهه الغربيه للبناء القديم وغرفتين من الحجر الوردي في الجهه الجنوبيه للبناء القديم ولا تبعد الا امتار عن ملعب كرة السله وساحة كرة القدم كانت بمثابة غرفة التربيه الرياضيه التي طالما شغلها المرحوم الاستاذ حمزه كراسنه (ابو مراد) ومن قبله الاستاذ علي شهابات.
كانت المدرسة محاطه باشجار السرو المعّمره قبل ان يلف المدرسه سور اسمنتي يمثل الحدود الجغرافيه لبناء المدرسه ناهيك عن وظيفته كجدار عازل .
تاسس هذا الصرخ التعليمي سنة 1965 وكانت تضم فقط المرحله الابتدائيه كما كانت تتبع اداريا وفنيا لمعهد معلمين حواره حيث كان طلبة المعهد يمارسوا ويطبقوا ما تعلموه من اساليب التدريس في صفوفها فحملت اسم (التطبيقات) ليكون لها من هذا الاسم نصيب.
المرسم الكبير كان يستقبل حصة التربيه الفنيه فيجذبك في هذا المرسم صورة الفدائي الفلسطيني الذي يحيط راسه بالشماغ الازرق وهو يطعن جنديا اسرائيليا وهو يصرخ بالاضافه الى مجسم الزرافة المتقن والمصنوع من الاسلاك والورق الذي رسم عليه هيئة الزرافه فاستطال عنقها للاعلى ليذكرك بقيمة العمل وعلو شأنه.
مختبر العلوم كان يخفي على حائطه رمزا من رموز القوة والشموخ يتمثل بنسر محنط لطالما شد انتباهنا واثار فضولنا كيف وصل النسر الى هناك !
ان احساسا بالكبرياء يولد داخلك سواء كنت طالبا او معلما فيها , فقد كانت هذه المدرسة معلما تربويا وثقافيا في نفس الوقت. ليس في محافظة اربد فحسب بل على مستوى المملكه.
كان اول مدير للتطبيقات الاستاذ المرحوم محمد رجب الجابري ثم تعاقب عليها مدراء اذكر منهم :الاستاذ محمود الكوري ,والاستاذ احمد حداد ابو رائد والاستاذ الدكتورعبدالكريم شطناوي (ابو أنس) وهو اخر من عاصرته بوم كنت طالبا فيها ويحسب له اخلاصه في عمله ودبلوماسيته مع الطلاب.
من الاستاذه الذين عاصرت و تركوا بصمات لا يمحوها الزمن : المرحوم الاستاذ قاسم شبول , علي شهابات , محمد بادي ابو الهيجاء , جميل شحاده ,محمود شرار ,محمد معارك , علي ابو الهيجاء ,عبدالله نصيرات , نزيه بصول ,بدر الشرع ,المرحوم الاستاذ الاب:عبدالكريم المطر (ابو باسل) رحمه الله,عليان نهار ,ابراهيم الفندي , المرحوم وحيد حطاب , محمود الخطيب , عبدالله قصراوي. بالاضافه الى استاذه كبار لم اتشرف بمعاصرتهم امثال:احسان الفرحان وفايز الشبول و فخري شلبايه و محمد نصر ومحمد شرار وسميح ابو الذهب وحامد العليان الغرايبه وغيرهم. وارجو ان يعذرني من نسيت فضله في تلك المدرسه فأخر عهدي بها كان عام 1984 مما يجبرني الان على تحديث معلوماتي وان لزم الامر عمل ( سوفت وير) جديد لذاكرتي لا سمح الله !
الانضباط كان عنوان هذا الصرح العلمي . والتربية هدفه والعلم نتيجته ! وما زلت اذكر الة حلاقة شعر الرأس اليدويه والتي انهالت على شعرنا الطويل (المحرم مدرسيا) وكان ذلك في الصف الاول الابتدائي وخلال الطابور الصباحي فاحدثت الة الحلاقه اخدودا صناعيا يفصل شعر الرأس عن اليمين وعن الشمال لنضطر لحلاقة شعرنا على الصفر لازالة التشوه الحاصل والذي كان بطله الاستاذ محمود شرار صاحب الخيزران الذي كان يهوي بلا تردد على راحة اليدين واحيانا باطن القدمين عندما يتعلق الامر بمخالفه صريحه من قبل الطالب والهدف هو الردع وليس الانتقام !
الفرصه الصباحيه كانت فرحتنا ففيها نلتقي وضوء الشمس ونلعب ونشتري ما تشتهي الانفس من شطائر وكيكس الحاج يوسف الصوالحه رحمه الله والذي كان لشطائره مذاق خاص كان للبندوره (الخضراء حامضة المذاق) دورا حاسما في لذة شطيرته بالاضافه للفلاقل التي كانت تفترش رغيف الخبز والذي (يخلو من الحمص ) وهو سر اخر يضاف لعوامل اللذة في تلك الشطائر.
عندما كنا نتوق لشرب كاسة شاي كنا نتجه غربا لنجد ضالتنا في قهوة او براكية (ابو سعاد= ابو ابراهيم) والتي كانت تزدحم بطلاب المعهد فتلذع السنتنا حرارة الشاي الذي كان يصنعه ابو سعاد فقد عانى الشاي كثيرا فوق لهيب ببور ابو سعاد فازداد ظلمة ولكن طعمه كان قد ازداد لذه !
التطبيقات كانت تقوم بحفل سنوي بمناسبة نهاية العام الدراسي فتدعو الاباء لحضور الحفل والذي ابطاله هم طلاب التطبيقات فيفرح الاباء بمواهب اولادهم في الغناء والتمثيل وكذلك عند استلامهم شهادات التقدير التي استحقوها فكان مسرح التطبيقات بستائره السوداء يغص بالحضور في عرس ثقافي كان يطول انتظاره.
وقبل ان اختم لا بد من الاشاره الى ان المهندس مروان محمد الحمدان وهو ابن التطبيقات البار واحد مخرجاتها الابداعيه التي لا تقبل الجدل قام بزيارة المدرسه قبل بضعة سنوات ونشر فيديو للمدرسه اثار العصف الذهني فينا فاستحقت المدرسه الشوق والحنين واستحق مروان ان يكون من طلابها المخلصين فله الحب والتقدير.
اما مدرسة التطبيقات فقد خرجت اجيالا اسهموا اسهاما كبيرا في بناء الوطن فكانت بالفعل مدرسه نموذجيه كما كان اسمها واستحقت ان تقطن القلوب التي لم تعشش فيها عناكب الجحود لانها قلوب عشقت الدراسه والعلم وقدرت التعليم في زمن كاد فيه المعلم ان يكون رسولا !
