فرن الطابون
لكل مهنة أسرارها ، ولكل فن لمسته التي توسمه بقيمة التميز…..فرن الطابون " فرن البركه" معلم من المعالم التي اندثرت
بتصميمه الدائري وغطائه المصنوع من قاع برميل ومقحاره المتآكلة اطرافه من كثرة صراعه من سحب الرماد " السكن" وللمقحار دور اخر وهو لدمل الفرن في اخر النهار بالرماد والزبله لادامته دافئا لغد.
كانت افران الطابون في النعيمة موجودة في كل بيت، وانا اذكرها في دارنا العتيقة قبل ما نرحل سنة 1968 كان في اخر ساحة الدار وكنت اخاف ادخله من العتمة كان بابه مكلل بالسواد من كثرة الاستعمال ولما رحلنا على العبارة انتهت علاقتنا بفرن الطابون وبدت رحلة الخبز مع الصاج وفرن الغاز.
من دارنا في العبارة كان يمكن ان تعد كل افران الطابون الموجودة في النعيمة قبل الغروب وهي تملأ الافق بدخانها واذكر منها فرن دار الحايك وفرن دار سلمان الشطناوي وفرن زريفة الذي تحول في ما بعد الى ما يشبه اليوم الى مسلسل كلام نواعم كان لفرن دار الحايك عينان من جهة الشرق والجنوب هما شبابيك ييت الفرن (الطواقي)…كان الدخان الفار من لهيب الخشه يندفع عبر هذه العيون كاسطوانات غازية هلاميه ثم يتكفل الهواء بنشرها عبر الافق لنستقبل رائحتها في المساء ونحن نحث الخطى الى البيت بعد لعبة كرة على ملعب بيدر جبر البركات الله يرحمه كانت تلك الرائحة المعهوده بمثابة ساعة العوده،ولم يكن يخلو الشارع من بقايا نساء جالسات يتهيأن للرحيل الى بيوتهن ومعهن الخبيزة التي كانت تملا البيادر بعدما يكون الليل قد فرد وشاحه على الوجود بسكينة وكبرياء
طبعا في عام 2006 قام سعيد مشكورا بتكليف مشايخ الصمادي لعمل فرن طابون في دوحلا وتعهدت بالخبيز فيه طيلة مكوثي هناك وهذا ما فتح لي جروحي وجعلني اكتب
كنت اتولى تزبيل الفرن في المساء قبل الغروب وقد احضرت زبل الغنم من عند حسين العقلة المومني وكانت اكياس الزبل مليءة بالبراغيث التي كانت تهاجم كل شيء وكأنها كانت تعرف انها في الغد سوف تكون وقودا لذلك الفرن كم كنت افرح وانا جالس على البرندة ودخان الفرن يملأ المكان واشتم رائحته التي كدت ان انساها من زمن بعيد كنت احافظ على الفرن حارا كل يوم ليكون مهيا في اي لحظة لاستقبال خبز او صينية او حلويات
آآآآه ما أشهى قرص العجة فيه يخرج محمرا بلون الدبورفي الصباح الباكر
اما الغداء فكانت المكمورة والمخمر والمقمر والصواني ريحتها تفوح على دوحلا كلها
واما المساء فكان ايذانا ببدئ صواني الحلويات والكيك الذي تعجز كل افران الدنيا ان تحمر مثله
اما في الليل فكان الفرن ينام متلفعا بالرماد والزبله كطفل اعياه التعب فركن الان الى السكون
وفي الصباح الباكر كانت تأتي مشايخ وكنت انظر الى تلك المرأة وهي تكور قطع العجين على منسفة القش ككواكب السياره
كان الفرن في البركس امام الدار واذكر اننا انا والاولاد تحلقنا حولها كأنه كرنفال يشدنا اليه اول الامر ثم يخرج اول رغيف ساخن وفجأة اسمع صوت سيارة قادمة في الصباح الباكر انه ابو بلال ياسين وقد كان عائدا من العمرة ويحمل معه المعجن وسألته متعجبا شو جاي تساوي عالصبح قال انا جاي اخبز عندك
ما اروع تلك الايام واظنها اقسمت الا تعود
ايها الفرن………….ايها البركه التي تبخرت من ايدينا وبجهلنا
كم من رغيف انداح عجينا على ارضك ثم برقت على وجهه عيونا حمراء مقمره لتتكفل انت بفرحنا عندما تخرجها لنا منتفخه كبدر حزيران تهاجمنا رائحته قبل ان يلامس شفاهنا.كم صنية اكتوت بنارك فخرج شهي الدجاج المشوي
رحل الفرن وجرف برحيله البركه والسعاده والهناء والحب والذكرى واشياء اخرى
بقلم : نبيل خصاونة ابوحاتم النعيمه اربد