أديسون قريتنا - بقلم - هاشم غرايبة كان «أبو درويش» مغرما بالعجلات، واستفاد منها لمنفعته الشخصية كثيرا، لدرجة أنه أثار حفيظة أهل القرية عليه، وصارت تطبيقاته البسيطة لاستخدامات العجلة مثار تندر أهل البلد
.. والغريب أن أحدا في قريتنا لم يحذ حذوه، كما لم يعترف له أحد بالتميز والذكاء! كان «أبو درويش» نجارا بسيطا يمتلك دراجة هوائية يتنقل بها بين حواره واربد حيث كان يذهب لإحضار احتياجات مهنته مرة في الأسبوع على الأقل، لكن دراجته كانت «فل أبشن» بلغة اليوم، فقد كانت مزودة بصندوقين أنيقين يتدليان على جانب السرج الإضافي الخلفي، كما كان لدراجته جرس لامع، وكشاف كهربائي ذو زجاج أصفر في المقدمة، وعاكسة فسفورية حمراء في الخلفوأنتين طويل يغذي الراديو المعلق على الأكس الأمامي، وكانت هذه الدراجة مضرب المثل في حواره؛ إذ كانوا يقولون عن أي شيء أو شخص نظيف ومزين بطريقة جيدة : «مزوزق مثل بسكليت أبو درويش» وأكثر ما كان يدهشني وأنا صغير، وقبل أن تسنح لي الفرصة لدخول بيته، هو تلك المروحة الضخمة المثبتة على برج فوق غرفته الوحيدة.. كنت أظنها للزينة،
أو لطرد العصافير؛ ولكنها في الحقيقة كانت تدير مولدا كهربائيا صغيرا يزود بيت «أبو درويش» بالطاقة الكافية لإضاءة منزله!لما سنحت الفرصة لي لدخول بيته دخلته بصحبة أبي حيث صنع لنا أبو درويش «نملية» متينة، أي خزانة لحفظ الطعام وتوابعه في المطبخ، وما زالت عند أمي إلى اليوم دهشت من السرير المعلق بالسقف.. كان يرفع سريره على بكرات فيلتصق السرير بالسقفـ،، فيحفظه من غبرة النجارة، وعبث الزبائن، كما يمنح الغرفة سعة إضافية تسهل له إنجاز عمله ! وما زلت حائرا للان لماذا لم يكن «أبو درويش» ثريا وهو بذلك الذكاء في ذلك الزمن، وما زلت أتساءل لماذا لم تعمم تطبيقاته العملية لمعارفه البسيطة على أهل القرية؟ لكني أذكر أنى سألت أبى - وكان يتحدث عن أيام « الرجاد» على الجمل ومتاعبها سألته لماذا لم يستعملوا العجلة في أعمالهم الزراعية؟ فضحك، وقال: لقد أحضر جدك «طنبرا» يساعدنا في نقل المحصول و«نورجا» -أي دولابا مسننا- لفرم القش.. ولكن المشكلة كانت تكمن في أن إصلاحهما كان يقتضي نقل الآلة من حواره إلى الشام، مما اضطرنا للاستغناء عنهما لاحقا! أليس بالإمكان قياس حال الدول الفقيرة اليوم على حال قريتنا بالأمس؟!