الطب في حواره اربد (الصيدلي ابو زياد سالم سليمان حداد) صيدلية ابن سينا

الامراض التي كانت منتشره في اربد في الثلث الاول من القرن العشرين

كانت الوفيات على الاطلاق هو الجفاف المسبب عن الاسهال والاستفراغ. بحيث  كانت الوفيات بين الاطفال خمسة اسداس المجموع. اي ان السيدة الاردنيه التي  تنجب خلال حياتها 12 طفلا. يموت منهم عشرة اطفال, ويعيش طفلان, وفي سنه 1938 ماتت نسبه كثيرة جدا من اطفال قريتي حواره, بحيث عجز الأهل عن الدفن وصاروا يدفنون اطفالهم في المغارات الصغيرة المنتشرة بكثرة في جنوب القرية, اي جنوب الطريق المعبدة بالاسفلت التي انشأها الانجليز سنة 1938 م, باعتبارها جزءا من طريق حيفا بغداد, وكانت طريقة الدفن بدون حفر قبور في الارض, وإنما يكفن الطفل, ويوضع الكفن تحت الحافة البارزة من الكهف الصغير, ثم توضع حجارة كبيرة وثقيلة امام الكفن, لئلا تسحبه وتأكله الحيوانات المفترسة, وقد دفنت انا وامي اخا لي اسمه محمد اصغر مني بسنتين بهذه الطريقة, واختا اصغر منه اسمها سالمه, والعجيب اننا كنا نسحب هذه الحجارة ونخرج الجثمانين ونحملهما في الحضنين ونقبلهما ونبكي ساعه او ساعتين, ثم نرجع الجثمانين المكفنين الى وضعهما السابق ونعيد الحجارة الثقيلة كما كانت ونعود الى القرية ونكرر هذا المشهد ضحى كل يوم حتى ملأ الدود الكفنين فتوقفنا عن هذه الزيارة, اقسم بالله العظيم ان هذا صحيح, وأنني كنت شاهد عيان على ذلك, فأنا ابن قرية حواره اربد من مواليدها سنة 1933 م . 

اسباب الوفيات الكثيرة بين الاطفال . كان الطفل بمجرد ان يسهل ثلاثة ايام او اربعة ايام يصيبه الجفاف, فيموت وقد يكون ذلك بسبب انواع من الطعام تأكلها الام المرضع, كالشمام والموز والعنب ,ويطلق القرويون على الطفل في هذه الحالة مصطلح طليح, او مصاب بالطليحة ,وفي العراق يتشائم الناس من هذه الكلمة, فمثلا هم يقولون فلان طاح حظه, اي مات ,وفي القاموس طاح اي هلك, وطاح الشيء من يده اي سقط, والمعنى المفهوم ان الطفل الطايح هو الهالك او الساقط في القبر, وفي اللهجه الاردنية انا طحت البئر اي نزلت فيه,  وصدق من قال ان اعظم اكتشاف طبي في القرن العشرين على الاطلاق هو اكتشاف سر املاح الجفاف, ولو كان هذا السر معروفا قبل سنة 1947 م لانقذ الاف الارواح من المصريين عندما اصابهم وباء الكوليرا, وكان يترافق في بعض الاحيان مع حالة الاسهال الشديد ,تعنية(تعناية ) وهبوط الشرج وارتخاء عضلاته, فيتدلى من الطفل اثناء الاسهال ولا يرجع ,فيقول الفلاحون عن هذه الحالة مقعدته نازله, وكان العلاج المتبع هو احضار الطفل ورفع قفاه الى اعلى, وكيّه برضفة, وهو حجر مرقوق مسخن حتى الاحمرار, ووضع لبادة بين الرضفة المسخنة والمقعدة عند الكي, والنتيجة الحتمية لهذه العملية الاجرامية هو الموت المحقق, والفكرة الجنونية ان التسخين بالمقعدة المتدلية يشد العضلات ويقلصها فترتفع ويدخل الشرج محله, ولكن شتان ما بين القول والفعل لقد مات اخي محمد الاصغر مني بهذه العملية, امام ناضري, رحمه الله, وكان يصيح النار وصلت لرأسي, ويطلق الفلاحون مصلح الهلال, ويقصدون الأسهال, من هل يهل هلالا, اي اسهل يسهل اسهالا.

وعندما فتحت صيدليتي صيدلية ابن سينا في اربد سنة 1963 م ، جائني طفل رضيع من اقاربي في حواره, يعاني من اسهال شديد ومن نزول المقعدة عند التبرز, فحضرت له مرهما مكونا من مادة قابضة وقلت لوالديه : ادهنوا شرجه بالمرهم عند التبرز, فشفي تماما بأذن الله, خلال ايام قليلة ودخل شرجه الى الداخل ولم يعد يخرج ابدا, والسبب ان المادة القابضة الموضعية شدت وقلصت العضلات الرخوة ولم يعد الشرج يتدلى ويخرج من مكانه, ولو تعرض الى تعنية, طبعا انا لم افكر بالملابسات والاحتمالات الاخرى كالسرطانات وغيرها, والله سلم , والطفل صار الان كهلا . 

التهاب اللوزتين : اما اخي الاكبر مني الذي كان يعاني من التهاب اللوزتين المزمن فقد عالجه طبيب شعبي من اقاربنا مشهور جدا في حواره في زمانه هو المرحوم ابراهيم مرعي حداد ، الذي ولد في سنة 1860 م والذي توفي رحمه الله في اوائل الخمسينات من القرن العشرين, وكان مختصا بالكي والتهاب اللوزتين, فناداه اهلي لعلاج اخي الذي كان في احدى الغرف من دارنا الواقعه في الحارة الجنوبية الشرقية من بلدة حوارة , والتي تبرعنا بها لتكون مسجد الرضوان حاليا . واخذ يلاطفه ويسأل عن مرضه حتى وصل اخي الى قرنة الغرفة وفتح المرحوم ابراهيم الحداد فمه, ليرى اللوزتين الملتهبتين والمتقيحتين وادخل بسرعة وبقوة اصبعية السبابة والوسطى في فمه, وفرى اللوزة اليسرى بالسبابة, واليمنى بالوسطى, وخرج القيح ومشح الدم, وشفي تماما مدى حياته . والمرحوم ابراهيم الحداد هو جد الدكتور الصيدلاني احمد محمود حداد صاحب صيدلية الرازي في اربد شارع الهاشمي لامه .

قرصة الحية او العقرب  : عندما تقرص حية او عقرب شخصا ما فأنه يذهب الى طبيب شعبي لعالجه وكان في قرية حواره طبيب وحيد مختص بهذا الفرع من الطب اسمه الحاج عبد الهادي الكيلاني وكان رحمة الله يمص قليلا من زيت الزيتون ثم يبدأ بمص السم وكان المواطنون يطلقون مصطلح الفقير على هذا النوع من المختصين وهم لا يعنون الفقر او الغنى ولكنهم يعنون انه ابن جد عائلة دينية تقية تنتسب الى احد الساده اصحاب الطرق الصوفية وهذا الشيخ الحاج عبد الهادي يقول انه من نسل الشيخ عبد القادر الجيلاني الموجود قبره في بغداد

وكان طبيب شعبي وحيد في حواره متخصص بعلاج الضعف الجنسي عند الرجال هو الحاج خليل الشرع وكان مشهورا جدا في زمانه وداره في الحارة الشمالية من حواره وشرق البركة .

قطع الطنطاف:  لا يوجد هذا النوع المتخصص من الطب الا في حواره اربد ويقصد بالطنطاف او الطنطيف هي التهاب اللهاه في فم الطفل فتصير نهاية اللهاه ملتهبة صفراء متقيحة فيتضايق منها الطفل فيحضرونه الى الطبيب المختص في حواره واسمه الحاج حامد الموسى الشطناوي ابو حسين وقد توفي الاب وورثه ابنه حسين حامد الموسى الشطناوي وهما اشهر المختصين بهذا النوع من الجراحة في كل محافظة اربد وكان الناس يأتون اليهم من كل القرى وكان البدو يأتون من المفرق والرويشد ومن اقاصي البادية .

كان في حوارة طبيب شعبي وحيد مشهور جدا على مستوى القرية والمحافظة او اكثر لتجبير العظام المكسورة هو الحاج حمدان العبد الله الغرايبة ، وكان ناجحا جدا وكان يتقاضى اجرا زهيدا وكان يستخدم قطعا خشبية كالمساطر والصابون المبروش والبيض المخفوق واللفائف القماشية لصنع الجبائر ، وبعد وفاة الحاج حمدان ظهرت فيما بعد طبيبة شعبية في حواره هي السيدة صبحا ابراهيم مرعي حداد ، وكانت ناجحه جدا في التجبير وكانت تجبر العظام مجانا لله تعالى ، وهي ام قريبنا الصيدلي احمد محمود حداد ( صيدلية الرازي ) ولدت في سنة 1901 وتوفيت في 6/10/1974 .

وكان في حارتنا في تلك الفترة اشهر طبيب شعبي لعلاج الجنون هو السيد احمد الرومي الملكاوي وكان مشهورا جدا ويأتيه المجانين من مختلف مناطق الاردن من البادية ومن كل القرى ، وقد توفي المرحوم في اواخر الستينات من القرن الماضي وعندما جاء التنظيم البلدي الى قرية حوارة هدموا دارة ومر بها الشارع العام المحاذي لديوان ال حداد وسمور من الجهة الشرقية .