كاد المعلم أن يكون....؟!

بقلم:تغريد حسن قنديل

مديرة مدرسة فاطمة بنت اليمان/اربد الأولى

 

    عندما كنا صغارا كانت أيدينا الصغيرة تحتضن الكتب المدرسية ونهرول نحو المدرسة ، نخطو باتجاه أبوابها خطو الحجيج باتجاه الكعبة ، فهذا الصرح الشامخ في جوهره ، البسيط في بنيانه كان يدعونا لطقوس لم نكن نجرؤ على تجاوز أي منها مهما كان السبب .

     كنا نتفقد الهندام عشرات المرات ، نمسح الحذاء ونتأكد من ربطات الشعر البيضاء . نقدس كتبنا وواجباتنا  فلا نجرؤ على إلقاء الكتاب هنا أو هناك، فقد كنا نحس أن الكتاب سيستجوبنا ، سيحاسبنا لو لم نسّخر له الوقت الكافي ، لو ألقيناه بعيدا عن عيون معلمنا. 

     كان الطابور الصباحي وتكامل الصفوف واستقامتها أول واجب نؤدي به طقوس الاحترام والالتزام . كانت أصواتنا الصغيرة تخرج دافقة من حناجرنا المشدودة : " عاش المليك...." وأنظارنا ترنو نحو العلم وأفئدتنا تخفق مع كل خفقاته .

     كان المعلم يقف أمام الطابور كل صباح، فتشخص أبصارنا باتجاه واحد وتنصت أذاننا لكل كلماته دون أن تجرؤ  رموش العين أن تتحرك في هيبة ذلك المعلم الوقور الذي ننحني له طوعا واحتراما وننهل من نبع عطائه كثيرا فلا نرتوي ، ونطالبه بالمزيد فيتدفق نبع العطاء  متجددا كل يوم لطلاب علم يغرفون من تلك الينابيع دون أن يرتووا . كان كل يوم من أيامنا الدراسية عيد نحتفل فيه بمعلمنا . كان مرور المعلم بشارع من شوارع حينا العتيق لا يقل هيبة عن مواكب السلاطين. كنا نختبئ خوفا أن تلمحنا عيناه نلعب في الزقاق ، يعلونا الغبار ودون الكتاب ، كنا نختبئ وهيبة ذلك المعلم ترفرف على الحي فيبتعد مئات الأمتار ونحن نتحدث عن مروره بشارع من شوارع حينا العتيق .

    كبرنا، والأطفال الصغار لم يعودوا صغارا إلّا أن صورة  معلمنا بقيت تسكن الذاكرة . الأطفال الصغار أصبحوا رجالا ونساء وكلما مرّ معلمهم في الحي ينحنون أمامه احتراما وتقديرا وعرفانا بالجميل. كبرنا ولا زلنا نتلعثم بالحديث إذا وجدنا أنفسنا في حضرة أحد معلمينا. كبرنا ونحن نرسم حلم المستقبل أمامنا لنصبح معلمين ومعلمات ، وقورين ووقورات بعد أن غزا الشيب رؤوسهم ونفذت فيهم طبيعة عملهم حكما تدريجيا بالجلطة القلبية والسكري وارتفاع ضغط الدم.

     قالوا شمعة تضيء دروب الآخرين باحتراقها ، ولكن هذه الشمعة تحترق لتزداد وهجا كل يوم ، فبصماتها على الدرب كثيرة ، وحروف كفاحها لا تمحوها العواصف ولا المطر ، وبمحض إرادتنا اخترنا أن نحترق دون أن يخبو وهجنا ، أن نلحق بركب كل من علمنا حرفا .   

     وعندما تغير الزمان، ودخلنا ذات الصرح كمعلمين تشهد لهم هذه المدرسة بأيام السهر والجد عندما كانوا أطفالا صغارا . فوجئنا أن العيون لم تعد تشخص والآذان لم تعد تنصت ، تناثر الشعر وتدخلت دور الأزياء في تصاميم الزي المدرسي ، وتطايرت صفحات الكتب وانكمش المعلم ليضيع بين صفوف الطلاب وليخبو صوته وسط صياحهم وضحكاتهم ، كل الأشياء تغيرت فأين أنت مني يا معلمي القديم ؟! هل تهزم أمراض العصر وتعود لتلقي نظرة على هذا السيل من الطلبة ؟! ، ماذا سيحل بك أكثر من السكتة والسكري وارتفاع ضغط الدم مع عدد لا يحصى من القنوات الفضائية والشبكة العنكبوتية ؟! 

     لا بد من قوانين تقّرها ضمائرنا ، لا بد من عهود نوقع عليها بكل أحاسيسنا ومعارفنا ، لا بد من صحوة تقف بوجه كل الأخطاء التي تراكمت كي لا يتوه أبنائنا ، يجب أن نقرع نواقيس الوعي ، أن نرسم شارات الخطر على كل المظاهر الغريبة ، أن نوقظ سيرة المجد من سباتها لنعيد أمجادنا ، أن نسّخر حكمتنا لتكون المنارة التي تدفع أبنائنا نحوها فلا يتوهوا في ظلمات المعاصي ولا تتقاذفهم بحار اللاشعور بالمسؤولية ، كي لا يفقدوا أبصارهم وبصائرهم . 

     الزمن تغيّر ! ، أجل تغير ولكن هذا الزمن لن يقف صامتا بوجه اتهاماتنا الصارمة بحقه ، لن يقف مكتوف اليدين أمام عجزنا عن التغيير ، لن يصمت لصمتنا وعجزنا عن الوقوف بوجه كل ما هو سلبي ومستهجن ! . فإن تدخلت دور الأزياء في تصاميم الزي المدرسي ، وإن تناثر الشعر فإن ثمة مبادئ راسخة لا تهزها ريح ولا تزلزلها زلازل ، هو ذا إرثنا وحاضرنا ومستقبلنا ، لنكن ... لنثبت وجودنا ... لنعزز مكانتنا ... لنبحث، لنعطي دون أن نبخل ... يكفينا تحسرا على حالنا ... يستحق معلمنا القديم  كل الاحترام والتقدير،ولكن علينا أن لا نصّم آذاننا عن ندائه لنا بأن نستنهض في داخلنا كل معاني الوفاء والخلق الجميل لنوفي لأحفاده الصغار جزء من دين في ذمتنا للأجداد متعذرين بذلك أن المعلم كان صاحب أمجاد في الماضي . فلكل جيل زمان وأحوال وأمجاد ، لكل جيل تقدم وازدهار ، لكل جيل حق في إثبات الذات .... ولكل معلم رسالة سامية لا بد من المحافظة عليها شكلا ومضمونا لتتوارثها الأجيال ولتبقى الأمجاد،  ولتحمل بين سطورها حكما في القادم من الأيام قراره: كاد المعلم أن يكون ...؟؟!!. 

بقلم : تغريد حسن قنديل

مديرة مدرسة فاطمه بنت اليمان

عضو رابطة الكتاب الاردنيين واتحاد العرب

المصدر: بقلم : تغريد حسن قنديل مديرة مدرسة فاطمه بنت اليمان عضو رابطة الكتاب الاردنيين واتحاد العرب
Howwarah

بقلم / المدير العام للموقع - فادي مرعي حداد ـ E-mail:[email protected]

  • Currently 33/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
11 تصويتات / 1150 مشاهدة

موقع حوارة اربد الالكتروني يرحب بكم فادي مرعي حداد

Howwarah
يتكون مجتمع بلدة حواره من اربعة فئات موضحة كما يلي: الفئة الاولى وهم سكان البلدة الاصليين الذين عاشوا وتناسلوا فيها منذ بدأت نشأتها ويقال ان عشيرة الكراسنه هي من اول العشائر التي سكنت هذه البلدة وكان شيخهم ابو الكرسنه يعمل في فلاحة الارض ويمتلك معظم اراضي حواره ثم جاءت بعدها »

تسجيل الدخول

ابحث في موقع حوارة

عدد زيارات الموقع

5,407,512

الى ابناء حوارة في العالم اجمع

تحية لك لكل افراد عشائر حواره المتواجدين فيها وفي العالم اجمع. نناشد ابناء هذه العشائرالكرام التواصل معنا والمشاركة في هذا الموقع كي يتم التعريف بهذه العشائرالطيبة في هذا البلد الطيب حوارة اربد كل التحية والاحترام والتقدير لكم فأهلا وسهلا ....... * احب ان احصي لكم العشائر التي تقطن حوارة حاليا على النحو التالي :ـعشيرة ال غرايبه وعشيرة ال شطناوي عشيرة ال حداد وسمور وعشيرة ال لوباني وعشيرة ال شرع وعشيرة ال جمال وعشيرة ال رواشدة وعشيرة  ال كراسنة وعشيرة ال خطيب وعشيرة ال صوالحه وعشيرة ال غزلان وعشيرة ال عفنان وعشيرة آل طشطوش وعشيرة ال ملكاوي وعشيرة ال روابده عشيرة آل كيلاني عشيرة ال خليلي وعشائر اخرى مثل آل ابو سل - وال الريماوي وال بداوي وال البلعاوي وآل الشمري وآل النعيمي اوالسبروجي وال زيناتي و ال الرجوب وآل قرم و آل التاج وآل هنداوي وآل العلاونه وآل خليفات وأل عبويني وآل ابو حماد وآل الفوارس وآل شرعة وآل معابره...................  

* احِب ان اوْثَق الْدَّوَاوِيْن المَنْشَأة  فِي بَلْدَة حُوّارَة ارْبَد حَتَّى الْيَوْم وَهِي عَلَى الْنَّحْو الْتَّالِي :- 
1- دِيْوَان عَشِيْرَة الغْرايِبِه الْجَدِيْد قُرْب مَسْجِد الْهَامِل 
2- دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي مُقَابِل كُلِّيَّة نُسَيْبَة الْمَازِنِيَّة 
3- دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي ال مَحَاسِنُه شَرْق مَدْرَسَة حُوّارَة الْثَّانَوِيَّة لِلْبَنِيْن 
4-دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي ال دَاوُوْد غَرْب مَبْنِى بَلَدِيَّة حُوّارَة 
5- دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي ال طَّنّاش1 شَمَال مَدْرَسَة حُوّارَة الْرِيَادِيَّة لِلْبَنَات
6- دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي ال طَّنّاش 2 الى الشمال كلية نسيبة 500 م 
7- دِيْوَان عَشِيْرَة الشَطَنَاوِي ال مُطالِقة شَرْق مَدْرَسَة حُوّارَة الْرِيَادِيَّة لِلْبَنَات 
8- دِيْوَان عَشِيْرَة الْحَدَّاد وَسَمُّوْر وَسَط الْبَلَد جَنُوْب مَسْجِد الرِّضْوَان 
9- دِيْوَان عَشِيْرَة الِلُوَبَانِي وَسَط الْبَلَد شَمَال شَرْق الْاشَارَة الْضَّوْئِيَّة 
10- دِيْوَان عَشِيْرَة الْشَّرْع وَسَط الْبَلَد مُقَابِل الْمَرْكَز الصَّحّي حُوّارَة 
11- دِيْوَان عَشِيْرَة الْجَمَال 1 قُرْب مَدْرَسَة حُوّارَة الْثَّانَوِيَّة لِلْبَنَات 
12 -دِيْوَان عَشِيْرَة الْجَمَال2 الَى الْشِّمَال مِن مَحَطَّة الْمَحْرُوْقَات ب800 مِتْر 
13 -دِيْوَان عَشِيْرَة الْرَّوَاشِدَة 1 جَنُوْب مَسْجِد الْايْمَان 
14-دِيْوَان عَشِيْرَة الْرَّوَاشِدَة 2 شَارِع حَيْفَا بَغْدَاد الْوَادِي الْغَرْبِي 
15- دِيْوَان عَشِيْرَة الْكرَاسِنّه وَسَط الْبَلَد جَنُوْب مَسْجِد عُثْمَان بْن عَفَّان  
وَفِي الْخِتَام ارْجُو ان اكُوْنَ قَد وُفِّقْت فِي حَصْرُهَا وَوَصْفُهَا وَاللَّه الْمُسْتَعَان