من منا نحن الذين ولدنا وترعرنا في النعيمة قبل اربعة عقود لا يعرف الطاحونة؟
الطاحونة المصنوعة من حجريها البازلتيين ، المتراكبتين ، فوق بعضهما البعض ، والمنمشه بنقوش زاهيه ، وصوتها وهي تدور الذي يشبه هدير الطائرات التي تحوم في الجو من بعيد، الحجران قطعا بشكل دائري من حجارة البازلت السوداء بيد رجل محترف هذبها وشذبها ثم حفر في الحجر العلوي عينا صغيرة كالجرن ومحور الدوران ثم ثبت بها يدا خشبية لتكون المقبض الذي يديرها
كنت صغيرا عندما كانت امي ترسل بي الى دار عمي عبدالحليم المحمود اليوسف رحمه الله وانا اضع امامي كيسا صغيرا من البرغل بعد العصر لجرشه
كانت ام محمد رحمها الله واسكنها فسيح جناته التي كانت تتلقفني بابتسامتها المعهودة كلما دلفت الى صحن الدار تفرش مفرشا كبيرا على الارض تحت عريشة الدالية المتدلية من كل الاتجاهات بقطوفها المتدلية كأنها حبات اللؤلؤ ثم تضع الطاحونة على المفرش وتبدأ بلف الحجر العلوي، المحتك بالحجر السفلي ، معتمدا على وزنه ، ومن عنق الحجر العلوي كانت تزود الطاحونة (الرحى) بالبرغل بانتظام كانت تعتمد على كمشة يدها كميزان للتزويد بحسها المرهف ، وبخبرتها كانت تعرف ، متى تزيد الحب ومتى تتوقف.
كانت تحشو اصابعها بين السميد المجروش ، لتتاكد من جودته ، ثم تستانف عملها برفق. كنت احاول جاهدا ان ادير الرحى بيدي الصغيرتان ، امام ابتسامتها ، التي تعللها بكلمة " ثقيله عليك يا عميمتي" فاتراجع وأسلمها المقبض
كان البرغل يتناثر بشكل دائري من بين اسنان احجارها ، ناعما برائحته التي تفوح في ارجاء المكان
بعد ان تنهي عملها كانت ترفع الحجر العلوي ، وتركنه الى الحيط القريب…… ترفع الحجر الاخر ، وتطرقه لتخلصه من بقايا البرغل العالق ، ثم تركنه الى جانب اخيه اذا نظرت الى المفرش ترى دائرة نظيفة بحجم ، وشكل الرحى هي دائرة كانت تقعد عليها الطاحونه باتزان وثبات.
ثم تلم البرغل وتعينني على اعادته الى كيسه ثم تضعه امامي على الدابة وهي توصيني بقولها سلم على امك كثير السلام.
كانت امي تصول البرغل من الحجاره. ثم تفرده ليجف وتضع عليه القليل من الملح ليبقى مونة للشتوية
كانت امي تنضج لنا البرغل مجدرة وفي بعض الاحيان كبة محشوه باللحمه ، مموزجه بالبهارات وفيها شيء اخر فيها رائحة امي.
لقد نسينا الطاحونة كما نسينا المهباش ودحرجنا حجريها الى بئر النسيان ،ليتكفل الطمي فيما بعد بطمسها الى الابد
كتبها نبيل الخصاونه ابوحاتم من النعيمه اربد